في حوار لي مع أحد أهل العلم الراشدين عن بغداد وتاريخها وما حلّ بها ، قال لي
برغم ما قيل عن سقوط بغداد بيد هولاكو وما حلّ بها من الويلات والمصائب ، إلا أنه كان فيه نعمة للعالم آنذاك ، فبغداد كانت معقل العلم والعلماء ، ونبراساً للحضارات ، فلمّا احتلها هولاكو وأصابها ما أصابها تشتت أهلها وتناثر علماؤها في أنحاء الأرض بذوراً نمت منها أشجار من العلم .. وذكر لي أنه في إحدى جزر الفلبين النائية قبر لعالم يعرف بالـ ( البغدادي ).
قبل الاحتلال الأميركي لبغداد كان على الأرض معرض لصور زاهية لناظرها المخدوع ... واهية لمن أدرك خفاياها..
- صورة لقوة عظمى اسمها ( أميركا ) .....
- صورة لدولة تسمي نفسها ( جمهورية إيران الإسلامية )....
- صورة لمنهج وفكر وتمذهب اسمه ( التشيع ) ....
كان الرعب يكاد أن يسود العالم من هذه القوة العظمى التي أخذت تكتسح كلّ ما أمامها بتكنولوجياتها الحديثة .. وبأسلحتها المتطورة .. وغطرستها الفرعونية .. فذلت لها جباه الخانعين ، وقبلت أيديها شفاه الخائفين ...
أمّا الآخران فبعضهما من بعض .. والحديث عنهما يكاد يكون واحداً ...
فبينما كان هذا العالم مذعوراً من أميركا كان ينظر لإيران على أنها الدولة الإسلامية الحقّة !! والتي استطاعت أن ترفع راية الإسلام بوجه الشيطان الأكبر ( أميركا ) .. فخدعت العالم بعمائمها السوداء وبما تقدمه من دعم ظاهري للحركات الإسلامية والمقاومة المتمثلة صدقاً بـ ( حماس ) والتي أقضّت مضاجع يهود ، وزوراً بـ ( حزب الله ) الذي كان في حقيقته خنجراً إيرانياً في لبنان ودرعاً لحماية أمن إسرائيل ... وغير ذلك مما تصرفه طهران من إغاثات ومعونات وهلمّ جرّاً ...
وللأسف .. فإن بصر العالم الإسلامي قد حُجب بما تصرفه إيران من أموال ودعم عن طهران - العاصمة الأوحد في العالم الإسلامي التي لا يوجد فيها مسجد لأهل السنة - !!! وحجب بصره عن دستوره الذي ينص على أن مذهب الإثني عشرية هو المذهب الرسمي للدولة ولا يجوز تغييره !! حُجب بصره عما تخطط له في الخفاء من زرع جيوب تخريبية لها في كل بلد .. حتى في البلد الحرام ! وما حوادث العنف والتخريب التي قامت بها المخابرات الإيرانية في المسجد الحرام عنّا ببعيد ...
وتمضي السنون .. والعالم بين الرعب الأميركي والخداع الإيراني .... حتى جاء يوم 9-4-2003 ... يوم احتلال بغداد .
العداء الأميركي للعالم الإسلامي واحتلاله للعراق لا خلاف في انطلاقه من منطلقات صليبية .. فهو عداء تاريخي معروف للجميع .... إلا أن الخفي عن المسلمين هو دور ( إيران ) .. الدولة الفارسية التي خدعت العالم باسم الإسلام ..
قبل الاحتلال كان هناك مجموعة من الشباب المسلم العراقي قد سبر أغوار الدهاليز الفارسية .... وكان على علم بالسمِّ الذي يكمن بين أنياب هذه الأفعى الصفوية .. فأخذوا يعملون جاهدين لفضح هذه الأفعى .. وأنهم لا يسعون إلا لإرجاع مجد كسرى ورستم .. وما أهل البيت الذي يتغنون باسمهم إلا أهل بيت النار التي يقدسّونها وليس أهل بيت النبوة .. وما التشيع إلا ثوب زور راموا به خداع المسلمين واستغلال عواطفهم وفي الوقت نفسه تمزيق الإسلام من داخله ..
لم يأت هؤلاء الشباب العراقي بشيء جديد .. فهم امتداد لمدرسة محب الدين الخطيب وإحسان إلهي ظهير وغيرهم ممن فضح هذا الفكر والمنهج الباطني .. ولم يكن لهؤلاء الشباب سوى منابر معدودات وبعضها خافيات ومطويات وكتيبات مستنسخات.. فماذا تفعل هذه أمام الخزائن الإيرانية المفتوحة على مصراعيها لدعم قضيتها الباطلة ؟؟ فضلاً عما تجده من دعم ( من وراء الكواليس وأحياناً أمامها ) من أميركا وإسرائيل ... راجع كتاب ( ويل للعرب ) لعبد المنعم شفيق لتعرف تفاصيل وأسرار هذا الدعم ....
نحن نؤمن بأن الله تعالى ينصر من ينصره .. وأن البركة الإلهية والنصر الرباني فوق الأسلحة الأميركية والخزائن الفارسية والدسائس الصهيونية .. فالله عز وجلّ أمرنا أن نأخذ بالأسباب وأن نعد العدة والقوة .. ليست القوة الإيمانية فحسب وإنما المادية أيضاً .. ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) سورة الأنفال(60) ، فكيف وإيران قد تغلغلت في العالم الإسلامي وكان لها في كل بلد نصيب من رجال ونساء ومؤسسات يعملون لها ؟؟ سواء إيماناً بقضيتهم ( التشيع ) على باطله ؟؟ أو بشراء الذمم والضمائر ؟؟ والنتيجة واحدة ، فإيران ـ بلا شكّ ـ تؤمن بمبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة ) فاستباحوا الفروج باسم المتعة ! وسرقوا أموال الناس باسم الخمس .. كل هذا
لم يستسلم الشباب العراقي المسلم .. برغم ضعفهم وقوة عدوّهم الصفوي ... حتى استجاب الله تعالى لعملهم وجازاهم بالإحسان إحساناً ، وحقق لهم مرادهم ونصر قضيتهم ...
فكانت بغداد الثمن ..
قال تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) سورة البقرة(214) .
لكل شيء ثمن .. فثمن الجنة البأساء والضراء حتى الزلزلة ، وكذا النصر له ثمنه الغالي ، وها أنت اليوم – يا ابن مساجد بغداد - تدفع الثمن ، فأمريكا ( غول ) العالم يكاد أن يتهاوى من ضربات المقاومة الصادقة الموجعة ، فباحتلال بغداد انكشفت سوأة الإدارة الأميركية واُفتضحت قوتها الوهمية ... وانكشف الوجه البشع الحقيقي لإيران بعدما كان العالم مخدوعاً بحسنها المصطنع ... وفضحتِ - يا بلد الرشيد - يوم استباحوا ترابك ( حقيقة التشيع ) الدموي ..
لقد رأى العالم ما فعله رسل إيران في معتقلات وزارة الداخلية ( العلنية والسرية ) .. وبمساجد أهل السنة .. و( مزارف ) صولاغ يوم كان وزيراً للداخلية عملت عملها بأجساد الشباب المسلم ، وها هو اليوم يسرق مال العراق سراً وعلانية بعدما أصبح وزيراً للمالية .. والمستشفيات أصبحت معقلاً لميليشيات ( الصدر ) يترصدون أهل السنة بها .... لم ينج من حقدهم أحداً .. فبيوت الله أحرقت ... ومنابر رسول الله صلى الله عليه وسلّم اُسكتت .. والمنائر فُجرت .. والحديث يطول ..
لقد كشفت الحقائق أن إيران هي من يحكم العراق اليوم حقيقة لا مجازاً .. فمرجعهم الأعلى السيستاني إيراني .. ووزير المالية صولاغ إيراني .. وموفق - الربيعي زوراً - مستشار الأمن القومي إيراني .. وعبد العزيز الحكيم – الطبطبائي - رئيس قائمة الائتلاف إيراني .... وهلمّ جرّاً ...
العالم كله اليوم يعرف من هي إيران .. وما معنى الفكر الشيعي ..
العالم .. رؤساء ومؤسسات وشعوباً .. عرفوا أن إيران لا تعمل إلا من أجل إعادة أمجاد فارس القديمة وتسعى بكل ما أوتيت من مال وجهد لإحيائها .. وبحار الدم التي ملؤوا بها شوارع بغداد ستُغرق العالم الإسلامي لا محالة إن التزم المسلمون الصمت عن جرائمهم .. إلا أنهم لم يصمتوا - والحمد لله - .. نعم تأخروا كثيراً .. وتحركوا ببطء ... لكنهم بدؤوا وهذا هو المهم ...
هكذا كانت قصة النصر .. لقد كانوا شباباً قليلين جداً .. ومنابر تكاد تكون خافية .. ومطويات وكتيبات ذات استنساخ رديء .. وحديث ها هنا وها هناك ... هكذا كانت حرب شباب أهل السنة في العراق ضد إيران ... وها هم الشباب المسلم اليوم .... بمؤسساتهم ومواقعهم الإعلامية والثقافية والشرعية.. يتبنون هذا المشروع .. الحرب ضد إيران .. حفاظاً على عقيدة أهل السُنة والجماعة من الزوال ..
لقد دفعت الثمن يا حفيد المنصور .. نعم .. لقد كان ثمناً غالياً وعزيزاً .. فبغداد أُحتلت ... والمساجد أحرقت .. والمنابر أُسكتت .. والدماء سالت ..
ولكنه نصرٌ من الله وفتح قريب .. وبشّر المؤمنين ...
فهذا هو ( النصر) ... الذي ثمنه بغداد .. وما أغلاه من ثمن !!
No comments:
Post a Comment
ومـا مــِن كاتبٍ إلا سيبلى
ويُبقي الدهر مــا كتبت يـداهُ
فلا تكتُب بخطِك غير شيءٍ
يسُــرك في القيامةٍ أن تـراهُ