الأستاذ : محمد أحمد الراشد
حرارة الإيمان تـــُذيب لـِحــام الطوق
هذا هو حال أهل السُنّة في العراق بعد تشكيل وزارة المالكي ، بل خلال أيام الاحتلال كلها ، فهم في الوسط يجاهدون الاستعمار الأميركي ، فيرد عليهم بقسوة ووحشية ، بل يتسلى جنوده أحياناً بقتل بعض العوائل واغتصاب حُرّة مثل عَبير .. ثم يردون على ميليشيات الأحزاب الشيعية وجيش المهدي الصدري ، ويدفعون هجمات مغاوير الشرطة الموالية للأحزاب الشيعية ، وأحياناً بعض الجيش المنحاز لها .. وفي الوقت نفسه يواجهون المخابرات الإيرانية الناشطة في الأرض العراقية ، ووصل بها الأمر إلى حد إقامة مفارز تفتيش في الحصوة والاسكندرية ، والتسلل من إيران والوصول إلى مشارف بغداد والمشاركة في الهجوم على الأعظمية ومحاولة احتلال جامع أبي حنيفة ، والحرس الثوري الإيراني له حضور قوي الآن في أماكن كثيرة .. والأكراد من بعد هذا في كركـوك وعلى مـشـارف الموصل تحركهم مـصـالحـهم لمنـاوشات من نــوع آخر ، ويـبدون بَطَراً واضمـحل فيـهم العِرق السُني ، ثم القاعدة يزيدون الطين بلّة ، وكان خطاب بن لادن لهم في أول تموز يتضمن أوامر بقتل قادة الحزب الإسلامي العراقي ، وذهَب بعيداً في التأول واعتناق الفكر الخوارجي القديم بحذافيره كاملاً غير منقوص ، فلم يُقصّر أتباعهُ في العراق ، وبطشوا ببعض رؤوس أهل السُنة الميامين ، وسقط البطل المؤمن الألمعي المهندس ليث اسماعيل الراوي شهيداً مضرجاً بدمائه الزكية برصاص بن لادن في مدينة حديثة ، حيث كان رئيس فرع الحزب الإسلامي فيها ، وتلاه بعد أيام الهُمام النجيب الطبيب نزار سامي الكبيسي في حديثة أيضاً ، ولو فتحنا باب تسجيل الحوادث الجزئية والأسماء لطال الشرح جداً ، لكثرتها ، والشيء الصغير إذا انضم إلى صغائر عديدة يغدو كبيراً ، والمحنة لذلك تصنف في قسم المحن العظيمة الوطأة، وهي في لغة الفقهاء تسمى النوازل الكبرى ، وقد بلغت القلوب الحناجر ، والأمر غريب جداً لم تر بلدان العالم الإسلامي في العصر الحديث مثله ، وبخاصة في امتداده الزمني الذي تجاوز ثلاث سنوات ، سبقتها سنوات حرجة أخرى أيام الحصار الأميركي للعراق ، بينما المحن في عامة البلاد تجثم سنة أو أقل . ولكنّ كل شدّة يعقبها فَرَج ولابد ، وهي ظاهرة من ظواهر الحياة ، ومن السنن الكونية ، وقد رأى داعية مخضرم من أهل السابقة رؤيا يظنها صادقة : أنّ تِلالاً سوداً مثل الجبال تتحرك ، فيعمّ الظلام ، ثم ينبثق من الجانب نور مفاجئ ، فينكشف الظلام ، وهو يفسرها تفسير خير ، وأن الله تعالى يأذن بانقشاع الفتنة .
لَــــــمْــــــلُــــــــوم الــــوُجُــــــوم
وجيش المهدي الذي يقود هذه الفتنة في هذه المرحلة بقيادة مقتدى الصدر ما هو بجيش ولا تنظيم موحد ، بل قوامه تجميع الصدر لعصابات إجرامية في مختلف المناطق الشيعية ، وبما معه من مال إيراني ، بل وسعودي وكويتي وضعوه في يده اتقاء شرّه فيما يظنون : استـطاع أن يسيرهم ويـأمرهم ، وقـصـة أبـو درع في مديـنـة الـثورة مثـال لذلك ، وعبر هذه العصابات المجتمعة صار يبطش بأهل السُنة ، وبها أحدث المجزرة التي أعقبت هدمه لقُبّة علي الهادي في سامراء ، وبها احتل المدائن ومسجد سلمان الفارسي ، ثم معارك الأعظمية والمحمودية ، وهجوم الشعلة على الغزالية ، وأحداث حي الجهاد ، فلما أحسّ الصدر ببعض النشوة بدأ يناطح بعض الزعامات الشيعية الأخرى وركبه بعض الغرور الطفولي ، فبدؤوا يتضايقون منه ، وبخاصة حين رأوا بوادر تفضيل إيراني له عليهم ، مما يشكل بالنسبة لأهل السُنة سبب انفراج ربما ، فقد كان يسعه التدرج والميل إلى بعض التؤدة ، لكنه ابعد ما يكون عن التعقل والتخطيط ، فصار تأثيره مُرشحاً للتقلص .
عِزُّ النــــفس ... يـــغلب وســـواس الرَّسِّ
ومما لا شك فيه أن ردود الفعل السُنية كان لها أكبر الأثر في إعادة حسابات جيش المهدي ، فإن الجيش هَجَم فجأة ، واستثمر عنصر المباغتة ، فاضطرب صَفّ أهل السُنة ، ولكنّ أهل السُنة لهم أصالة وشجاعة وخبرة قتالية من خلال الجهاد ، فسرعان ما امتصوا زخم الهجوم ، وأوقفوه ، واستعملوا عناصر التفوق المعنوي الذي يملكونه ، والخبرة ، فدافعوا فيما بعد دفاعاً ضارياً ، فتبدل الميزان ، وحصل إثخان في جيش المهدي حَمل الصدر على إعادة دراسة الموقف ، ومال إلى المهادنة والتلطف ، وضغط الجيش الأميركي عليه أكثر ، فبدأ حملة لاعتقال قيادات جيش المهدي والاستيلاء على أسلحته ، ليس إحقاقاً للحق والعدل ، ولكن لأنه وجد الصدر يستجيب لتعليمات إيرانية بتحريك جيش المهدي ضد الجيش الأميركي تنفيساً عن حالة التضييق الأميركي على خُطة التسلح النووي الإيراني .
والحقيقة أن بروز جيش المهدي وحزب الفضيلة في هذا الموسم كقوة أولى لا يعني أبداً هبوط مستوى مشاركات حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة ، بل هما حاضران على طول المدى وكأعنف ما يكون الحضور ، ولكن التهمة لا تتوجه لهما مباشرة لأن الميليشيات التابعة لحزب الدعوة وفيلق بدر التابع للمجلس أصبحا يمارسان الإرهاب بملابس مغاوير وزارة الداخلية وقوات حفظ النظام ، بل وبعض وحدات الجيش ، فتشير البيانات الإعلامية إلى المغاوير وهذه القوات ولا تورد اسم الحزبين ، لتطورهما إلى حيازة صفة رسمية جعلت البلوى مضاعفة ، والعياذ بالله .
كما أن الأوساط الشيعية تشهد تسخيراً وتوظيفاً لبعض القضايا الظنية في العقيدة المهدوية في مجال السياسة والأمن ، فقد أظهرت بعض الفضائيات الشيعية متحدثاً يزعم أن الإمام المهدي المنتظر زاره في بيته هذه الأيام ، وخطبَ اختَهُ ، وزوّجه، وتلك إشارة واضحة إلى احـتمال المـغامرة بادعاء ظهوره واستئصال أعداء آل البيت ، وستطيع جماهير الغوغاء من يزعم ذلك وتكون مذابح ، وإلى أن يَثبت بفتاوى الحوزة أنه ليس المهدي تكون خطة الإبادة قد استوفت غرضها وحصل شيء عظيم .
ومن ذلك ، وفي هذا السياق : تترشح أخبار خاصة عن مجموعة شيعية تتوسع في محافظة الحلة تسعى جاهدة في إشاعة الفساد الأخلاقي والزنا وعموم المنكرات الكبرى ، توفيراً لظرف ظهور المهدي فيما يظنون ، لأن ظهوره يكون لقمع الفساد العظيم ، فهم يفسدون من أجل إغراء المهدي بالظهور، وواضح أن هذا النمط متصل بحالة التوتير الأمني ، وهو تسخير للعقيدة في مجال السياسة بشكل مفتعل ، لأن ذاك الفساد في أصل العقيدة الشيعية هو أمر قَدَري وحقيقي وليس بمفتعل مصطنع .
التـــــمـــــادي في افــتــــعال مشكـــــــلة الهادي
ولو أضفنا إلى ذلك تهديد مقتدى الصدر بتسيير مظاهرة مليونية لإعادة بناء قبة علي الهادي وحراسة مرقده ومرقد الحسن العسكري والد المهدي : لاتضحت أبعاد أخرى تحوي خُطة كاملة لاحتلال مدينة سامراء وتشييعها بالقوة وقتل بعض أهلها وتهجير البقية ، وتلك خطة قديمة لم تنجح ، وحدوثها اليوم يعني حصول نكبة كبرى بأهل السُـنة وتضاعف التوتـّر ، وذلك ما تحرص عليه إيران الآن ، ولذلك منع الجيش الأميركي مقتدى الصدر من تسيير هذه المظاهرة العدوانية ، ولكن قد يلين ولا يستمر المنع إذا رأى الضباط الموالون للصهاينة ضرورة دفع العراق إلى مزيد توتر وتخريب .
ومحنة البصرة ومحافظات الجنوب عامل آخر في تعقيد الحالة ، فإن جيش المهدي في مدينة العمارة وعموم محافظة ميسان قد أنذر أهل السُنة منذ مدة بالرحيل والهجرة الإجبارية، فكادت تفرغ بعد حصول قتول فيهم ، وكذلك في محافظة المثنى ، ولكن النكبة الأشد حصلت في البصرة ، حيث القـتل المتواصل والعـدوان ، وانخفضت نسبة أهل السنة فيها من ما يقارب الأربعين بالمائة قبل سنة ، إلى حدود العشرة بالمائة فقط، وهاجروا إلى الموصل وأماكن الوسط نجاة بأعراضهم وأرواحهم ، وتركوا أموالهم ودورهم وبساتينهم العامرة ، والخَطب عظيم فادح لا يوازيه غير ما حصل في ثورة الزنج في الزمن العباسي حين احتلوا البصرة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وفي ثنايا كتاب أجوبة المسائل الخُراسانية المطبوع ببيروت قبل عشرين سنة يقول مؤلفه مفتي شيعة البحرين حسين العصفور في أحد أجوبته : إن مال السُني ودمَه حلال عند قدرة الشيعي على أخذه أو القتل ، وذلك في كل وقت ، وأما عرض السُني فحلال ، ولكن على الشيعي أن يمتنع عن هتكه قبل ظهور المهدي ، لأن الأيام متداولة ، ويخاف أن يعود أهل السُنة إلى قوة فيهتكون عرض الشيعة انتقاماً ، وأما بعد ظهور المهدي فلا حرج ، لأن التمكين للشيعة سيستمر إلى قيام الساعة ، ومثل هذه الفتوى شائعة ، وهي التي تـُجفل أهل السُنة ، وبسببها تكون الحملة الإعلامية الحالية لظهور المهدي خطرة جداً ، وتعني الدخول في نفق مظلم عاتم لا يعلم إلا الله إن كانت له نهاية .
بغداد ســـــتــــر سـُــــف في الأصــــفـــــاد
والذي يزيد الأمر فظاعة أن بغداد العتيدة ، رمز الحضارة الإسلامية وبلد الرشيد ومنارة المجد التليد أصبحت في حُـكم الساقطة في الحضن الشيعي ، وستكون خلال الحقبة القادمة مدينة شيعية ورمزاً لانبعاث التشيع العالمي ، وذلك لأن الدستور العراقي الجديد المحشور بالسوء جعل مدينة بغداد في حدودها البلدية فيدرالية مركزية خاصة ، وكانت قبل نصف قرن مدينة ذات أغلبية سُنية وأقلية شيعية ، ثم خدم عبد الكريم قاسم الخطة الشيعية الطويلة المدى فقام بجلب مئات ألوف الشيعة من المحافظات الجنوبية إلى بغداد خدمة للخطة الشيعية ، وبنى لهم مدينتي الثورة المعروفة الآن بمدينة الصدر ، والشعلة ، ثم ازدادت الهجرة الشيعية حين ركب الشيعة موجة حزب البعث وانتموا إليه في آخر الستينات وخلال السبعينات ، وتناسلوا كثيراً ، وبتسهيلات مالية من الأوساط الحوزوية لكل فرد يرضى بزيادة النسل ، حتى صاروا نصف أهل بغداد الآن ، ولكن القتل الذريع بأهل السُنة من قبل جيش المهدي وفيلق بدر وميليشيا حزب الدعوة ارهب وأرعب ، وحصلت هجرة سُنية واسعة من بغداد إلى المحافظات السُنية وإلى سوريا والأردن ومصر والخليج ، فرجح الوجود الشيعي فيها ، وتعزز بتهجير مكثف حصل خلال السنة الأخيرة للشيعة من الجنوب إلى داخل بغداد، وتصرف أموال لهم الآن للبناء والتملّك ، وتخدمهم في ذلك وزارة الإسكان وكل دوائر الدولة ، وزادت نسبة الشيعة أكثر بسبب تمركز الجيش والشرطة في بغداد ، والجنود معظمهم شيعة ، وبذلك لو حصلت انتخابات للتصويت حول فدرالية بغداد المركزية الآن فستكون أكثرية التصويت شيعية ، وبغداد ساقطة لا محالة .
ليس هذا فقط ، بل الحزام الذي حول بغداد ، المتشكل من مدن اليوسفية والمحمودية والاسكندرية ، ومدينة المدائن التي فيها إيوان كسرى ، والطارمية ، والعديد من القرى الكبيرة ، مثل النهروان والراشدية والتاجي ، وقرى ذراع دجلة ، وغيرها التي تشكل محافظة بغداد : كُلها سُنية خالصة ، أو ذات أكثرية سُنية وأقلية شيعية ، ولذلك حصلت المهاجمات الشيعية لها ، من مغاوير الشرطة وجيش المهدي ، من أجل تهجير أهلها وجعلها شيعية كذلك ، وارتكبت مجازر وقتول بشعة في جميعها ، وبمباركة أميركية فيما يبدو ، لوجود المقاومة الجهادية في جميع هذا الحزام .
حربٌ تــــســـــتـــــعـــِــر ... واُمةٌ تـــَنـــتــــظِــــــر
كل هذا ولسان الإعلام العالمي يتحدث عن احتمالات الحرب الأهلية والاقتراب منها ، بل الحرب الأهلية حاصلة بكل معانيها ، وتقودها قوات وزارة الداخلية التي كانت من قبل ميليشيات للأحزاب الشيعية ، وتعاضدها المخابرات الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني ، والجيش العراقي محايد أو تنحاز بعض وحداته للشيعة ، والجيش الأميركي شبه محايد ، ويشترك في ضرب المناطق السُنية أحياناً بحجة وجود المقاومة ، واعتقل بعض جنود جيش المهدي فقط ، لتحرشهم به بطلب إيراني ، والقتل على الهوية يستشري ، وبعض مفارز ونقاط التفتيش التابعة للداخلية ربما تقتل على الهوية ، وتقوم بإنزال بعض الشباب السُني البريء من السيارات ويسلمونهم إلى أتباع الميليشيات التي تتمركز على بعد أمتار منهم ، ليقتلوهم ، مما جعل بعض ردود الفعل السُنية تظهر أيضاً بالمقابل ويكون قتل بعض الشيعة القلائل على الهوية ، وحصل وصف الفتنة بالمقياس الشرعي الإيماني ، ووصف الحرب الأهلية في الاصطلاح السياسي ، والفتن عمياء ، لا تـُبقي ولا تذر ، مع قلة الخدمات وانقطاع الكهرباء ، واستيلاء الشيعة وجيش المهدي على جميع المستشفيات تقريباً ، وحصول حرمان لأهل السُنة من الخدمة الطبية ، في أشكال أخرى من صعوبة الحياة ، ومنع التجول ، ولجوء أهل السُنة إلى بيوتهم قبل المغرب ، إذ التجول وصخب الحياة يستمر في المناطق الشيعية إلى ما بعد منتصف الليل ، وأسواقهم عامرة ، إذ تجارات أهل السنة بائرة ، وأسواقهم مغلقة ، أو لا تُـفتح إلا لسويعات قليلة .
والعجيب مع كل هذه الشدة أن البلاد العربية كلها بلا استثناء لا ترفع صوتاً باستنكار ، ولا تعاون أهل السُنة إلا قليلاً ، وبما لا يوازي واحداً بالمائة من الإسناد الإيراني للشيعة، وتركيا المغفّلة لا يعنيها الأمر فيما يبدو ، وكل العالم الإسلامي ، وكل العالم ، لتكون محنة غريبة من نوعها ، وبلغت القلوب الحناجر وما من مغيث ولا ناصر ولا من يبعث بسلاح أو مال يكافئ الحاجة ، والمخاطر تقترب من الكويت وآل سعود وأمثالهم وهم سلبيون ، وما من تفسير إلا أنه قَدَر رباني ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وليس يحل المشكلة العراقية الآن غير الله تعالى ، بمعجزة فقط .
ربما هي معجزة مثيلة لما حصل لأهل بغداد والعراق في زمن خربندة بن هولاكو ووزيره ابن المطهر الحلي الشيعي الذي يرد ذكره في كتابات ابن تيمية ، وخصوصاً في منهاج السُنة النبوية ، فإن هذا الوزير أغرى خربندة بالتشيع لما أسلم ، فتشيّع ، وأمر بإظهار التشيّع في ديار العراق وأصفهان وشيراز ، فحمل أهل السُنة ببغداد سلاحهم وأتو صلاة الجمعة وهم أكثر من اثني عشر ألفاً من المسلحين ومنعوا الخطيب أن يُغير الخطبة السُنية ، وكذلك فعل أهل أصفهان وشيراز ، فثار غضب ابن هولاكو وأمر بإلقاء خطيب شيراز إلى كلاب وحشية قاتلة لتأكله ، فجعلت تتمسح به ، وحرّكت أذنابها أمامه ، وسالمته ، فكانت معجزة أذعن لها خربندة وتاب وأمر برفع المحنة والبقاء على مذهب أهل السُنة ، والخبر مشهور في كتب التاريخ .
ولعلنا ننتظر اليوم معجزة يتوب معها الآثم والواهم .
النوايا الـمُباركَة ... لرجال الـمُشاركة
وحجم المشكلة جعل الناس تسأل عما إذا كان ما يزال صواباً استمرار مشاركة أهل السُنة في العملية السياسية مع حصول جميع هذه الفوضى الأمنية والآلام والعدوان !!
والرأي الذي يترجح عند أصحاب قرار المشاركة : أن الانسحاب ممكن ، وقد يكون ، ولكنه سيدفع إلى مرحلة أعنف من الحرب الأهلية ، ولذلك يفضلون الصبر الإيجابي الذي فيه الدفاع عن مناطق أهل السُنة ومقاتلة المعتدي وإثبات الجدارة الميدانية ، لأنهم ما دخلوا العملية السياسية ترفاً وبطراً وثقة بالأحزاب الشيعية أو بالأميركان ، أبداً أبدا ، وابن لادن واهم فيما يتهمهم به ، ولكنهم دخلوها لتقليل الشر ، ولتحقيق حضور في الحكومة والجيش يخفف المحنة ، والأحزاب الشيعية تريد انسحاب أهل السُنة وتفرح له ، ليخلو لها الجو في البرلمان والوزارات والأجهزة العسكرية ، ولكن ليس من الصواب تحقيق هذا الانسحاب وإخلاء الساحة الحكومية للشيعة والأكراد ، مهما حصلت أميركا على منفعة إعلامية من هذه المشاركة ، وفي الوقت نفسه نتسلح ونتمول ولا نهاجر ونلقن المهاجمين من جيش المهدي الدروس المريرة ونكبدهم الخسائر ، وجنود القاعدة يليق لهم أن يفهموا هذا المغزى وأن يثقوا بمن غامر واشترك في العملية السياسية وداس على أعصابه وركب الصعوبات من أجل إنقاذ أهل السُنة والدفاع عنهم قانونياً وحكومياً مثل دفاعه عنهم بالقتال والمصاولة ، وينبغي أن تتجمد الاتهامات ، وتـتوقف الاغتيالات ، ويتحد أهل السُنة جميعاً ، السياسي منهم والمقاتل ، والحزبي والعشائري ، من أجل كسر حدة الهجمة الشعوبية والغزو الصفوي الإيراني الذي هو أخطر من الاحتلال الأميركي ، لإمكان رحيل الاحتلال إذا ضغطنا عليه وقاومناه ، وبقاء السوء الصفوي ، لطبيعة المجاورة وخدمة البيئة له وامتداد الجذور.
وحين حصل قرار المشاركة السياسية كانت المفاوضات مع أحزاب الائـتـلاف الشيـعي قد تـوصـلت إلى إقـرار مبدأ إعادة التوازن المذهبي إلى الوزارات والقوات المسلحة وجميع مظاهر النشاط الحكومي ، مثل الجامعات والبعثات ، وبموجب ذلك حصل إغراء لإمضاء الاتفاق ، ولكن الطبيعة الشيعية المتأصلة جعلت رئيس الوزراء المالكي يميل إلى المناورة والإبطاء في تفعيل مقترحات التوازن في الوظائف والمال والفرص ، ومع ذلك فإنّ إعادة دراسة الموقف تنتهي إلى التريث ، وجعل الانسحاب آخر شيء نفكر به ، لما في بقائنا من تقليل الشر كما قلنا ، ولأن ما بعد الانسحاب يعني وقوع الدولة مائة بالمائة تحت السيطرة الشيعية الإيرانية ، ويبقى خيار الانسحاب قائماً برغم ذلك إذا اضطررنا إليه .
ومما يجعلنا نعتز بأنفسنا أكثر ، ونفهم أن القضية تتمثل في محنة يريدها الله لحكمة : أننا على وسطية وعقيدة معها دلائل صحتها ، فنحن نحترم علياً t ، ونجعله أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين ، ونحب الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ونـُبجّل فاطمة رضي الله عنها ، بينما الطرف الآخر يتنكر لكل الصحابة غير ستة يزعم أنهم تشيعوا لعلي .. وكذلك أمر الفكر الخوارجي الجديد الذي تعتنقه القاعدة ، يحمل على التكفير وقتل الناس بأهون الأسباب ، ونحن على محبة الناس ، وندافع عنهم ، ولا نـُـكفّر أحداً من أهل القبلة ، حتى الشيعي الذي يضربنا بالهاونات والصواريخ والرصاص ويقتلنا ويُمثل بجثثنا : نعتقد أنه مسلم ظالم ، ونكل أمره إلى الله ، فنحن مع العفاف والأخلاق ، وعلى وسطية بين أنواع التطرف ، وفي ذلك ما يجعلنا نتمسك بالذي نحن عليه وأننا الأعز ، والأسلم صدوراً وعقولاً ، وغيرنا مبتدع .
التـــــــَّـــمَــــيُّــــع .. يَـــطرأ على خُطة التــــــَّـشيّــــع
وبمثل هذه الأحاسيس نستقبل أخباراً فيها بداية تراجع شيعي ، ونظن أنها بداية لأمرٍ أكبر ربما ، وتأذن لنا أن نعيد الحسابات بشيء من التفاؤل أن زخم التصعيد الشيعي وصل ذروته وبدأ ينخفض ، ووصل الأمر إلى أن يطلب المالكي من الحزب الإسلامي التدخل لتهدئة الأوضاع المتوترة ، وأنه من جانبه يضمن هدوء الجانب الشيعي ، وهذا عرض غريب بعدما ظن الشيعة أن حملتهم ماضية لا يوقفها شيء ، والمظنون أن عدة أسباب وعظتهم بذلك :
منها : مفاد قول الله تعالى : إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ ، ومن خلال دفاع أهل السُنة عن أنفسهم وديارهم : حصل إثخان في الشيعة ، وقدموا ضحايا كثيرة ، ورُدوا على أعقابهم في حي الجهاد وحي الغزالية مع تلفيات ، وأحاطت بهم هزائم ، وكانت وقفة شباب أهل السُنة مجيدة رائعة بطولية ، وقد أيقنت القيادات الشيعية أن التفوق الذي يريدونه له ثمن باهظ ، مما حملهم على إعادة دراسة الموقف .
ومنها : أنهم بدؤوا يشعرون أن إيران تدفعهم لمعركة صعبة ، وأنها ليست في مصلحتهم ، بل لإيران مصالح خاصة تنفذها على حساب الشيعة العراقيين ، ومقياسها في ذلك مقياس فارسي فقط ، وان خطة الاستيلاء الهادئ الطويل الأنفاس أولى لشيعة العراق من الأعمال الهجومية الإرهابية ، وزادت قناعة القيادات الشيعية بذلك حين حدث هجوم حزب الله اللبناني على إسرائيل ، فإن إيران دفعته لذلك من أجل تخفيف الضغط الأميركي على مساعيها النووية ، وجعلت حزب الله يدخل معركة أكبر من حجمه الحقيقي ، من غير مراعاة لخصوصيات الساحة اللبنانية ، فكأنها تدفع الأحزاب الشيعية العراقية لمعركة تحقق فيها مصالحها الإيرانية من غير مراعاة خصوصيات الساحة العراقية ، فبدأ يحصل شبه رفض للإملاء الإيراني وتحرر من الوصاية الإيرانية على العمل الشيعي العراقي ، ولولا أن الحوزة شديدة الطاعة لإيران لتحول الأمر إلى بداية انعتاق من العبودية التامة لإيران.
وشعر الشيعة أيضاً أن إيران ورطت جيش المهدي بالتحرش بالجيش الأميركي ، لتخفيف ضغوط أميركا عليها في مسألة المفاعل النووي ، فبدأت القوات الأميركية تداهم مقرات جيش المهدي وتعتقل بعض مقاتليه وتجمع سلاحهم ، مما جعل قدرة الشيعة على استمرار المناورة أقل ، وحرمهم من ميزات تعاونهم السابق على مدى سنوات ثلاث مع الجيش الأميركي وسلطة الاحتلال ، ويخافون الآن من خسرانهم مصدراً ثرياً من مصادر الإمداد والترجيح .
وأيضاً : فإن الأحزاب الشيعية بدأت تتضايق جداً من تصاعد نفوذ الصدر وجيش المهدي في الأوساط الشيعية على حسابهم ، وبدؤوا يفقدون سيطرتهم على الموالين لهم ويتحول الولاء إلى الصدر ، بل بدأ الصدر يضايقهم باُسلوب صريح ، وجنود جيش المهدي قُساة عُتاة لا يحترمون أحداً ، فهو يسلطهم على منافسيه من القيادات الشيعية بنفس الدرجة ربما التي يسلطهم فيها على أهل السُنة ، ومجموعة مساعديه مثل الدراجي والأعرجي يتـضايقون من الحكيم والجعفري والمالكي ، ومن هنا بدأت هذه القيادات المتضررة تـُفكر بهدنة لئلا يستمر الظرف الاستثنائي الذي أتاح للصدر أن يبسط نفوذه عليهم.
ثم العشائر الشيعية المتضررة من الوضع المتوتر بدأت تضغط أيضا وتطلب من القيادات الشيعية مراعاة أحوالهم ، فهم كأي قُروي يرتبط بأرضه ويتعلق بها قلبياً وورثها عن أبيه وجده لا يروق لهم ذلك ، والعنف الشيعي بدأ يجلب عنفاً سُنياً عند الاستطاعة، ولذلك صاروا يميلون إلى السلم ، وعناصر جيش المهدي أكثرها دخيلة ليست من مناطق التماس، بل من الشروقيين الذين لا تربطهم بهذه الأرض في شريط التماس المار جنوب بغداد روابط وعواطف ، بل بعض هذه العشائر منقسمة مذهبياً ، وللشيعي أبناء عمومة من أهل السُنة ، ليسوا كأهل الأهوار والبطائح الذين هم مادة جيش المهدي .
فهذه الأسباب مجتمعة جعلت الخطة الشيعية تميل إلى تخفيف الوتيرة العنفية ، وبدأت تراعي هبوط السمعة الشيعية في العالم الإسلامي كله بسبب هذا العدوان الوحشي على أهل السُنة ، فالزمن زمن فضائيات لا يخفي سراً ، وتمرغت سمعتهم بالتراب ، وكأن ذلك كان أحد الأسباب لتعويض السمعة من خلال عمليات حزب الله ضد إسرائيل ، مع سبب آخر أرادت إيران من ورائه تخفيف الضغوط الأميركية على مشروعها النووي ، فدفعت حزب الله إلى هذا التصعيد في لبنان ، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك ، وأصبحت الفضائيات لا تتداول أخبار جرائم الأحزاب الشيعية في العراق ، ونسي الناس مأساة أهل السُنة في العراق التي هي أعظم مأساة في العالم الإسلامي بعد قضية فلسطين ، بل وواضح أن عمليات حزب الله جاءت لتحويل الأنظار عن غزة وبطولات منظمة حماس التي استأثرت بإعجاب العالم ، ومَن لا خبرة له بنفسية حزب الله يظن أنه فتح جبهة تخفف عن حماس وغزة ، لكن من يعرف المحركات النفسية الحقيقية يستطيع أن يلمس شيئاً من الحَسَد ، وأن حزب الله ساءه ارتفاع رصيد حماس ، فطفق يسرق الأضواء ويحول البطولة إلى بطولة شيعية وهمية ، وقد كشفت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية ذلك من خلال قولها الصريح بأن ما يجري في لبنان هو آلام المخاض لولادة شرق أوسط جديد ، وهذا تصريح مكشوف لا يحتاج إلى تحليل ومهارة في قراءة معناه الحقيقي الذي يشير إلى أن إيران دفعت حزب الله إلى هذا التوتير بالتنسيق مع أميركا من أجل حصول توتر من خلال عنف إسرائيل في الرد وحصول تخريب في لبنان وبعض قـتول يسيرة في اليهود من أجل تكوين رأي عام لبناني وسوري وعربي يرضى بمعاهدة صلح مع إسرائيل ، ومن أجل إقناع اليهود بجدوى هذا الصُلح ، ثم تجد سوريا نفسها منفردة ، فتُسارع إلى الصُلح وتتخلى عن حماس ، لرفع الحرج ، وبذلك يولد الشرق الأوسط الجديد .
من هنا كانت فتوى الشيخ بن جبرين صحيحة في أصلها الذي يحذر من حزب الله ، مخطئة في امتدادها الذي يقول بتكفير الشيعة وإخراجهم من الملة ، والردود عليه مليئة بالعاطفة ، ولم تلحظ أصل مقصده الصائب ، والعالم الإسلامي كله يشهد قلة وعي في موضوع الشيعة ، ولا يميز درجة البدعة التي هم عليها ، ولا الجرائم التي يرتكبونها في العراق ، وكل ذلك بسبب نفوذ الدعاية الإيرانية ومزاعم التقريب بين المذاهب ، والمشروع الشيعي الصفوي العالمي يتقدم وتـُصرف له أموال إيرانية مليارية في حجمها ، ولا أحد يستوعب ما هنالك ، حتى بعض قادة الحركة الإسلامية في غفلة عن ذلك ، إذ درس العراق ناطق .
وتكفير مبتدع من أهل القبلة خطأ شنيع ، وإثم ، وشكر صنيع المبتدع إذا قاتل الكافر واجب ، ولكنا نتحدث عن تحليل سياسي هو وراء ذلك ، فحزب الله مربوط بإيران ، وقد حرّكته الآن لغايتين : تحويل الأنظار عن تدخلها في العراق وجرائم مخابراتها في قتل أهل السُنة وتهجيرهم ، ثم لتخفيف الضغط الأميركي عليها بسبب الخلاف النووي ، وهناك غاية أخرى أوضحتها رايس تتمثل في تمكين ولادة صلح إسرائيل مع سوريا ولبنان وتحقيق خطة الشرق الأوسط الكبير المنعشة لإسرائيل ، فهي حرب مثيلة لحرب أكتوبر التي حققها السادات وسُميت بحرب التحريك ، أي أنها حق اُريد به باطل، وتاريخ إيران الصفوي يتيح مثل سوء الظن هذا ، وحزب الله يقوم بحرب تحريك جديدة ، وهو يدرب جيش المهدي في العراق لا كما يتوهم مَن يبرؤه .
اختراعُ خَــــــصــــــمْ ... لصحوة الفَــــهــــمْ
وكانت عليـاء الصـلح قد نـبـهـت في مقال في جريدة الحياة اللبنانية في النصف الثاني من السبعينات قبل ثورة الخميني بسنتين : أن الحقبة القادمة ستكون هي حقبة تجديد التشيع وظهوره وتأسيس دولة كبرى له في إيران ، تمتد إلى العراق ، ثم إلى سوريا حيث الحكم النُصيري ، ثم إلى جبل عامل في لبنان ، ويكون لها فرع مثيل في المغرب ، وتنزل من العراق جنوباً إلى البحرين والقطيف والمنطقة الشرقية من الجزيرة .. و علياء لا تلقي القول على عواهنه ، وإنما هي بنت رئيس وزراء لبنان ، وسليلة أكبر عائلة سُنية هناك ، ومُقربة جداً من ملوك آل سعود واُمرائهم ، ومُطَّلعة على ما في دواخل قصورهم ، ثم هي خبيرة سياسية ومستشارة فوق العادة للحكومة الأميركية ، ولفرنسا ، ومُـقيمة بباريس ، وجاءت ثورة الخميني لتصدق أخبارها ، ثم حصلت محاولة تصدير الثورة باتجاه العراق ، ليزداد التصديق ، وتأسس حزب الله في جبل عامل ليشهد لها ، وحصل تحالف إيراني سوري عميق ، ونمت الدعوة الشيعية في المغرب ، وانتعشت في الأحساء والبحرين ، وكل ذلك من دلائل دقة قول علياء في زمن حين قالت فيه قولها كاد حتى دعاة الإسلام أن يتهموها بمبالغة ، ولكنها كانت متأكدة ، ولا تصدر عن خيال ، وإنما عن علم بقرارات أميركية وغربية عُليا تمزج بين التقدير السياسي والفهم الفكري ، ففي الجانب السياسي كان الشاه قد وصل إلى درجة الغرور والغطرسة وأحسّ بالقوة ، وطمع أن يحتل الخليج من أجل نفطه وثروته ، فنهته أميركا ، فلم يتعظ وعاندها ، فسَخـَّرت له الخميني ليقلعه ، ولذلك حين بدأ الخميني ثورته تبنته جميع وسائل الإعلام فوراً ، وغيره يلهث سنوات ليذاع له بيان واحد ولا يستطيع ، وأما الجانب الفكري فيتمثل في تقديرات دوائر المستشرقين أن الصحوة الإسلامية العالمية التي بدأت آنذاك بعد نكسة حزيران مُرشحة لأن تكون قوية جداً ، ولذلك كان من الواجب اختراع خصم إسلامي لها، فكان خيار إظهار التشيع وتمكينه ، على خلفيات تاريخية يعلمها المستشرقون جيداً ، ووقع قادة الصحوة في الفخ الأميركي ، وأيدوا الخمينية وما زالوا ، لأنهم لم يطالعوا كتب التاريخ ، ولم يحيطوا علماً بعلم العقائد والبدع ، ولم يعلموا واقع أهل السُنة في إيران ومعاناتهم الشديدة والمكائد التي تعرض لها الشيخ أحمد مفتي زادة وأمثاله ، والبطل ناصر سبحاني وأصحابه ، ثم هم لا يعرفون خبر العراق وحوادث الدولة العثمانية لما أراد الصفوي ضرب جيوشها من الخلف لما أرادت اختراق أوربا ونجدة الأندلس بالنزول لها من فوقها ، من فرنسا ، وهذه قصص لا يعلمها إلا صاحب وعي وله حظ عظيم .
ومما يحملنا على اعتقاد دقة قول الخبيرة علياء الصلح أنها كتبت ذلك الوقت مقالاً آخر تنبأت فيه بمحاولات لتجزئة دولة الجزيرة العربية إلى ثلاث دول : نجد ، والحجاز ، والمنطقة الشرقية ، وكان ذلك المقال قبل مقال التشيع ، ثم اخبرنا الأستاذ محمد محمود الصواف الذي كان مستشاراً للملك فيصل آل سعود رحمه الله أن الملك أخبره بأن ضابطاً سعودياً مات في حادث سير ، فوجدت الشرطة في جيبه عند محاولة معرفة هويته على مخطط انقلاب وتقسيم للمملكة إلى ثلاث دول ، وعرفوا سبعة عشر ضابطاً مشاركاً في العملية تم إعدامهم فيما بعد ، فعلمنا أن علياء لا تصدر عن خيال .
والذي أثار هذه القصص : خطر الخطة الإيرانية في نشر التشيع في العالم ، وقيام السفارات الإيرانية بدور كبير في هذا ، وسلسلة مؤسسات طبية وتعليمية وإغاثية ، والفقراء في البلاد المستضعفة تجلبهم المصالح إلى هذه المؤسسات ، فيكون إغراؤهم ، وتصرف لهم أموال فيبدلون مذهبهم ، ورأينا ذلك على أشده في إفريقيا ، وجنوب شرق آسيا ، ويبلغنا أنهم يسجلون اختراقات عميقة في المجتمع المصري وبعلم الأزهر ورجاله ، وكاد الفقر أن يكون كُفراً ، وقد تسبب الاحتلال الأميركي للعراق في ارتفاع أسعار النفط إلى أضعاف ، فاستفادت إيران من ذلك عشرات المليارات من الدولارات ، فإذا هي صرفت ملياراً منها أو أكثر لتمرير خُطة نشر التشيع فإن ذلك لا يؤثر في ميزانيتها أبداً ، والدعوة الإسلامية العالمية سُنية في عقيدتها ، ويجب أن تؤدي دوراً مُعاكساً في تثبيت الناس على مذاهب أهل السُنة والجماعة ، وخطأٌ هو قول من يقول أنه لا فرق بيننا وبينهم ، بل الفرق موجود ، ونحن لا نريد أن نحمل الشعور الطائفي ، ولكن نريد أن نحمي شعوب العالم الإسلامي من البدعة ، وإذا لم تقف الدعوة هذا الموقف الدفاعي فإن المصيبة ستكون شديدة الوطأة يوماً ما ، وعندئذ لا ينفع الندم ، ولتكن عِبرة بما حدث في اليمن من قتال الحوثي للدولة ، وتحرشه بالمجتمع السُني ، وبما يحصل في الباكستان من عدوان متبادل ، وبالحرب الأهلية في العراق ، وكانت محاولات حثيثة لنشر التشيع في ماليزيا بجهود إيرانية ، فتصدى لها رئيس الوزراء السابق محاضير محمد بشيء من الحزم ، وأصدر قانوناً يمنع التشيع ، محتجاً بأن المجتمع الماليزي شافعي المذهب كله ، وقبول تبديل المذهب يهدم الوحدة الاجتماعية ، وهو مصيب في ذلك جداً ، وهذا من حسناته الكبرى مع أنه سياسي علماني ، ولكنه ميّز مصلحة البلد جداً وأبدع في رد البدعة .
حاجة القــــــاعدة لـمُجاراة الاجتـــهــــادات الســـائدة
من هنا نتبين خطأ القاعدة في معاداة الحزب الإسلامي العراقي والتحريض على قتل قادته ، وقد حصل فعلاً قتل الكثير من عناصره القيادية النبيلة ، بداية في الموصل حيث قتل شيخ المجاهدين والرجل النوراني الداعية الـمُخضرم الدكـتور عمر محمود عبد الله ، مروراً بفقيه الجهاد وشُعلة الحماسة وكتلة الإخلاص المهندس إياد العزي ، وبأسد الميدان الشيخ عمر حوران في الفلوجة ، وأخيراً بالبطلين المهندس ليث الراوي والطبيب نزار الكبيسي ، رحم الله الجميع ، وكل ذلك بإغراء من قيادة القاعدة وبإفتاء من أسامة بن لادن ، وبخاصة في خطابه الصريح أول صيف سنة 2006 ، حيث ذكر الحزب بسوء وحرّض على قتل قياداته ، وهذا خطأ محض منه ، وجنود القاعدة في العراق عليهم أن يميزوا طبيعة الظرف الصعب والمحنة التي يمر بها أهل السُنة ، والحزب متأول في مشاركته السياسية تأولاً يشهد له الفقه وقول أهل الإفتاء الشرعي ، وفعل ما فعل من أجل أهل السُنة ولئلا يترك مرافق الدولة للاحتكار الشيعي ، ولتخفيف جثمة المحنة ، وتاريخ الحزب تاريخ مشرّف على طول المدى ، وقياداته وأعضاؤه هم الذين علّموا الناس الإيمان والأخلاق والوعي ، وهم الذين ينصرون فكرة المقاومة وحق الشعب العراقي في الرد على الاحتلال ، وهم الذين حشدوا جهودهم الإعلامية الصحفية وإذاعة دار السلام وقناة بغداد الفضائية لتأييد قضية أهل السُنة وحملة الجهاد والمقاومة وإسناد حقوق الإنسان العراقي وكشف العدوان الأميركي ، والإغاثات المالية والخدمية التي قدموها منذ أيام الحصار الظالم قبل الحرب ثم بعد الحرب وإلى الآن تشهد لهم ولبذلهم وصدقهم ، ومناقبهم السياسية في فضح المشروع الصفوي وأخطاره يعرفها كل مخلص ، وكل ذلك يوجب تنادي العقلاء ووجوه أهل السُنة ومشايخ المساجد وشيوخ العشائر لمنع تعديات شباب القاعدة على رجال الحزب الإسلامي العراقي ، وبذل شهادة الإنصاف ، والوعظ بضرورة وحدة صفوف أهل السُنة ، وتوهيم أسامة بن لادن فيما ذهب إليه ، وطلب حفظ دماء المسلمين ، فإنها غالية ، وإذا لم يحصل مثل هذا الإنكار من العقلاء فإن الفطرة البشرية تدعو إلى الدفاع عن النفس، والحقوق الشرعية تأذن بذلك ، فتزداد القتول من الطرفين ، وتحدث الفتنة بأعتى معانيها ، وذلك ما تريده إيران وما يريده الأميركان ، ويسع المرء أن يقول : إن الحزب أخطأ ، دون أن يقتل رجاله ، وعندئذ يكون المنطق والفكر هو الحاكم بين الطرفين ، ولن نرفض طلباً للحوار والتفاهم واستجلاء الرأي ، فإن الحزب لم يتقدم إلى المشاركة إلا بعد أن استوفى الشورى واستمزج رأي العقلاء وسادات الناس داخل العراق وخارجه ، وحصلت له عدة إفتاءات شرعية من أئمة العلم ، وجدير بأهل العلم والرأي والشيبات أن يمنعوا صغار الشباب من التهور .
وليعلم من يُنكر على الحزب أن القضية أبعد من مجرد دفع الاحتلال ، أو مقاومة المشروع الصفوي الإيراني ، وأنه لابد أن يتواجد المخلصون من أمثال رجال الحزب الإسلامي وجبهة التوافق في الحكومة وإدارات المحافظات لحفظ حقوق العراقيين بالحسنى، لأن كل ظلم يقع الآن يأخذ طريقه إلى أن يكون اتفاقاً دولياً مُلزما لأي حكومة عراقية في المستقبل حتى لو كانت حكومة جهادية ، ولنأخذ قضية امتيازات النفط العراقي مثلاً لذلك ، فإن الشركات الاحتكارية الأميركية تريد التعاقد وفق شروط مجحفة بحق العراق ، وتريد أن تمتلك الحقول ، وأن ترفع كلفة الاستثمار والإنتاج بطرق وهمية وأرقام مضاعفة غير حقيقية ، بينما السياسة الصحيحة لو كان هناك تمكين للحزب الإسلامي أن يقول قولته : أن تكون الحكومة العراقية هي المستثمرة المطورة للحقول ، لأن الكلفة ستنخفض إلى أقل من الرُبُع أو الخُمُس ، كلفة التطوير للحقل، وكلفة الإنتاج اليومي للبرميل الواحد ، وللعراق مقدرة فنية على ذلك ، ويملك كادراً من المهندسين والخبراء ، وقد يستأجر بعض كبار الخبراء من العالم الحُر ، ويمكنه أن يشتري أبراج الحفر ، مع العلم أن كلفة الاستكشاف هي الأكبر ، وهذه مرحلة قد تمت سابقاً ولدى الدولة خوارط استكشافية جيولوجية وفيزياوية لثمانين حقلاً يراد الآن إعطاؤها للشركات الأميركية بدون احتساب كلفة الاستكشاف واسترجاعها ، فمثل هذه الأمور ستحكمها اتفاقات دولية ملزمة لأي حكومة عراقية قادمة ، فهل يصح أن نغيب ونجعل حزب الفضيلة وأمثاله والأحزاب الشيعية والكردية هي المؤتمنة على مستقبلنا ؟ هذه مسائل لا يعرفها الشاب الذي يحمل البندقية ويقاتل تحت راية بن لادن ، وخير له أن يكون واقعياً ويوقن بأن الحزب الإسلامي هو الوكيل الحقيقي المخلص عن مصالح الشعب العليا وهو المراقب المخلص على الاتفاقيات الدولية التي ستعقدها هذه الحكومة وتكون ملزمة للحكومات العراقية القادمة بحكم ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية التجارة الدولية وصلاحيات البنك الدولي ، وخير للمقاومة أن يكون لها ممثل أمين في الحكومة يأمر بالمعروف السياسي وينهى عن المنكر السياسي والاقتصادي والنفطي ، وليس غير الحزب الإسلامي بثقله المعروف يوفر هذا التمثيل والحضور الفاعل ، ومن معه من أعضاء جبهة التوافق .
هذه قضايا معقدة تخصصية لا يبتّ فيها الشاب المقاتل ، وإنما هي صنعة الكهول والخبراء وكبار الضباط وجيل الوزراء ونواب البرلمان ورجال البحث التنموي ومدراء المؤسسات وقادة الفكر وعلماء الشرع ووجوه الإعلام وأساتذة الجامعة
فلعل الغضبات تنتهي ، ويحل بدلها التفاهم والحوار بالحُسنى ، ولعل إزهاق الأرواح يتوقف ، وترميل النساء وتيتم الأولاد الأبرياء ، ولربما عطّلت شهقةُ يتيم مظلوم النصرَ في ميدان المعركة ، لو كان المجاهدون يعلمون ، والجهاد له أحكام وأخلاقيات ، وله علاقات مع الإيمان والفقه ، وما هو بعمل ارتجالي ، وجهادنا العراقي مُعقّد غاية التعقيد ، بسبب تعقد المجتمع العراقي وخصوصياته وتوزعاته المذهبية والعِرقية والعشائرية وتدخلات الدول الإقليمية ، ولذلك لا يُفتي فيه غريب غير عراقي ، بل يضع هندسته وتخطيطاته وإفتاءاته قادة عراقيون يعرفون البيئة والأعراف وطبيعة المشاكل وجذور المسائل .
وغياب الثقات عن الحكومة يؤدي إلى طغيان كردي أيضاً في مناطق التماس معهم ، في الموصل مثلاً ، وليس العدوان الشيعي فقط ، وليفهم رجال القاعدة ذلك ، والذي يحصل الآن من تدخل الأكراد في أعمال ومناهج مدارس محافظة نينوى مثال لذلك ، ومحافظة دهوك تصول وتجول في محافظة نينوى ، لأن العصر عصر فوضى وتغالب قومي مثلما هو تغالب مذهبي ، وعندنا تقارير رسمية تشير إلى أن مديرية تربية دهوك الكردية تعمل وتنشط في المناطق التي تزعم أنها كردية من أقضية محافظة نينوى العربية ، وكأنها تفترض أن الفدرالية الكردية قد قامت وحصل تقسيم جغرافي جديد للعراق يغير حدود المحافظات ، ففي كتاب سري ، مثلاً ، بتاريخ 10/10/2005 مرفوع من قبل المدير العام لتربية الموصل يذكر أن عدد المدارس التي فتحتها تربية دهوك في مناطق أقضية سنجار والشيخان ومخمور وتلكيف التابعة لمحافظة نينوى ( الموصل ) بلغ 144 مدرسة ، كلها بلا إذن ، وترفع العلم الكردي لا العراقي ، وبلغ عدد المدرسين الأكراد المعينين فيها من قبل دهوك 1374 مُعلّماً ، أضيف لهم 250 آخر فيما بعد ، وان إدارة دهوك تفرض تعليم اللغة الكردية في هذه المدارس ، وتقلص ساعات تدريس التربية الإسلامية إلى النصف من أجل زيادة تدريس الكردية ، وبلغ عدد المدرسين الأكراد في بعض المدارس ضعف الحاجة ، بمعنى أنهم يُـعَيّنون هناك من أجل حضورٍ كردي ضاغط ولغاية أمنية وسياسية وليست تعليمية ، ويشير كتاب سري آخر رقمه 133/س في 21/11/2005 إلى فتح عدة مديريات كردية للتربية تابعة لدهوك في محافظة نينوى ، وأن زهير عبو الذي فرض نفسه في تربية قضاء الشيخان كممثل لتربية دهوك يزور المدارس ويوجّه بمنع تدريس اللغة العربية ، وطبعاً معه فصائل من الميليشيا الكردية البيشمركة ، وفي كشف إحصائي تشير الأرقام إلى أن ثانوية الوليد في سنجار فيها 11 مُدرساً يتبع لدهوك مقابل 28 لنينوى ، ومدرسة قرطبة فيها 9 اكراد مقابل 6 ، ومدرسة حتّارة في تلكيف فيها 28مدرساً كردياً مقابل 11، ومدرسة بوزان في تلكيف فيها 26 مُدرساً كُردياً مُقابل 10 ، وسريشكة في تلكيف فيها 14 مقابل لا شيء ، ومدرسة سوزنكنة في القوش فيها 13 مقابل 12 ، ومدرسة مهد في الشيخان فيها 16 مقابل 25 ، وثانوية عين سفني للبنات فيها 15 مقابل 21 ، وحتارة في تلعفر فيها 12 مقابل 12 ، ومدرسة عبد الله بن مسعود في سنجار فيها 50 مقابل 8 ، وعجائب اُخرى ، ومعنى ذلك أنه اختراق كردي بالقوة لا ينتظر دستوراً ولا تصويتاً ولا تفاهماً ، ولكن على قاعدة إنما تؤخذ الدنيا غلابا ، وهذه نماذج للإشكالات التي تحتاج إلى وجود سُني وعربي في أجهزة الدولة لئلا يتسع الخرق وتتأسس صروح الفدراليات الجنوبية والشمالية على أشلائنا ، مع هضم لحقوقنا ، ودوس لكرامتنا ، وجنود القاعدة عليهم أن يفكروا عشر مرّات في مغزى ومعنى هذا الكلام وهذه التقارير قبل أن يتهموا الذي يشارك في العملية السياسية بخيانة ، وإذا كان هذا يحدث في دوائر مدنية تربوية سلمية : فإن ما يحدث في فرق القوات المسلحة أضعاف ذلك ، بسبب غيابنا عنها واستبداد الأحزاب الشيعية والكردية بها .
وليس المشاركون في السياسة من أهل السُنة يزعمون العصمة لأنفسهم ، فإن أصل توجههم للمشاركة صحيح ، لكنهم بشر ، وقد يكون منهم الخطأ في اختيار وزير ووكيل ومدير ، لقلة الممارسة السياسية سابقاً ، وقد حصل خطأ مثلاً في تزكية وزير الدفاع ، ولكن ذلك لا يمنعهم من محاولة الاستدراك وطلب إقالته ، مثلاً ، وترشيح آخر بدلاً عنه ، وكذا عند اكتشاف حصول خطأ في اختيار أي سُني آخر لمنصب آخر ، فإن محاولة التغيير هي الأصوب ، ولا داعي لرفض كل العملية السياسية بحجة حصول أخطاء ، بل يكون التعلم من الخطأ ، ويكون تطوير المهارة السياسية من خلال التجارب ، وذلك هو شأن جميع الساسة ، ولا حاجة للتوتر .
فاتعظوا يا أهل السُنة !!
قد انطلت عليكم دعاية إيران بوجوب ترك العملية السياسية وهجر أهل السُنة للوظائـف في الوزارات والجيش والشرطة
ولعلهم غداً سيغرّونكم بترك الدراسة في الجامعات ، لتجهيلكم أيضاً ...
بل بلغنا أن هذا الفهم بدأ يسري .
وستندمون ، وينطبق عليكم قول اُم ملك الأندلس :
اُبـكوا مثل النساء مُلكاً لم تحافظوا عليه مثل الرجال !!
نعم : نحافظ عليه بالجهاد ، ونقر بذلك ...
ولكن بالمشاركة السياسية أيضا