Wednesday, December 26, 2007

عبقرية النيــــــــــــــــــــــام

قرأت هذا المقال فأعجبني وإن لم أجد اسم كاتبه ، فأرجو أن يسامحني
---------------------------------------------------------
كثير منا لا يطيق التفكيرلأنه أشق أعمال العقل..
مع أن المجتهد إذا أخطأ خير من المقلد إذا أصاب، فالأول يخطىء عن علم ، والثاني يصيب عن جهل كما قال الإمام ابن حزم.
نحن من حصرْنا معركتنا الحضارية الكبيرة في معارك منهِكة صغيرة ، ونسينا أن معركة الدم- ولاأهوِّن من أمرها- ليست بأهم من معركة الدمع والعرق والمداد.. ونسينا أن يمين النبي عليه الصلاة والسلام التي حفرت الخندق في الجهاد، هي اليمين ذاتها التي حملت لبِنات المسجد فأعلت البناء.
نحن من نبدّد الوقت وكأنه عدو لنا، مع أنه أغلى من الجوهر، فبحسن استغلاله يُنال رضوان الله.
وكثير منا لايعرف ثمناً للزمن الهارب ، وكم نضيع الأعمار النفيسة في آمال زهيدة وأعمال غيرمفيدة ، ثم ننتظر أكبر النتائج من ضعيف الهمم و الأفكار .
وكم نفشل لأننا لم نعتد أن نخطّط للمستقبل ، وكأننا لا نخطط إلا للفشل!..
وكم نبدأ الرحلة في أعمال لو اجتمعت لكشفت الغمة عن قلب الأمة ، ثم يا أسفا لا نكمل لمشوار !
كثير منا يكاد يقدّس الأشخاص وينفي الخطأ عنهم ، فلكلٍّ إمامُه المعصوم الذي يُستدَّلُ بقوله ،ولا يُستدَّل له!..
نحن من نحفظ أكثرمما نفكّر ، ونقلد أكثر مما نبتكر ، و نبرّر للصديق ولا ننصحُه ،ونُطريه ولا ننقدُه ،ونظلم الخصم ولا ننصفُه ..
نحن من تغرينا الثمرة ، وننسى أن هناك ثمة بذرة..
نحن من نتطلع إلى العناوين ونتعامى عن المضامين ..
نحن من ننظر إلى الأشخاص لا إلى الأفكار .. وننظر إلى الذات وليس إلى الموضوع ..
نحن من أتقنّا التجهّم والعبوس والغرق في بحار الدموع ، مع أن ديننا هو الدين الوحيد الذي أدخل الابتسام في نظام العبادات.
وكثير منا إذا ما التزم بالدين يتراجع؛ فإن كان قوياً يغدو ضعيفا، وإن كان بسّاماً يغدوعبوساً قمطريرا، وإن كان متميزاً في النجاح يصبح متميزاً في الفشل والانحسار!
نحن من أسقطْنا القلم ، فأسقطنا من بعده اللواء.
أمة القرآن ، لم تعد تقرأ !
وأمة سورة الحديد، صارت أضعف الأمم.. !
وأمة سورة العصر ، لا يحلو لها العيش إلا خارج العصر .. !
إن دارنشرٍ واحدةً في فرنسة ، تنشر أكثر مما تنشر مطابع الوطن العربي كلها !
وإن رواية واحدة للكاتبة البريطانية ج. رولنج طُبع منها مائتا مليون نسخة بستين لغة عالمية.
فهل استطعنا نحن أن نوصل صوت نبينا إلى العالم ؟!
وهل نفّذنا وصية الرسول الخاتم خَلّوا بيني وبين الناس؟!
الجواب مرعبٌ ومخزٍ وحزين..
يا ويلتا! أعجزنا أن نكون مثل باقي الأمم؟!.
نحن الذين لا نبالي بسمعة الإسلام في العالم ..
وإذاما فتنَنا الغربيون ببريق حضارتهم ، فلقد فتنّاهم بظلام تخلّفنا..
وشكّلنا بتخلفنا مرآةً مبعِّدة مشوِّهة لا تعكس أنوار الإسلام ، بل ظلماتِ المسلمين ..
لقد كنا بحق فتنةً للقوم الظالمين..
نحن من ننام في النور، أما الآخرون فيستيقظون في الظلام!
بأيْماننا نوران ؛ ذكرٌ وسُنةٌ *** فما بالنا في أحلك الظلماتِ ؟!
وليت شعري من أولى بالنصر؛ أهل الباطل العاملون، أم أهل الحق الخاملون ؟
نحن لا نكاد نلقي بالاً للجمال الذي بثّته رحمة الله في أمداء الكون وفي أطواء الحياة ..
ولا يستوقفنا الذوق النبوي الرفيع ، ولا يغرينا جمال إماطة الأذى عن طريق المؤمنين .
نحن الورثةُ الغثاء.. لترِكةٍ كلّها علمٌ ونورٌ ونقاء ..
نحن من انطفأت في آفاقنا شموس العبقرية، حتى لا نكاد نلمح إلاعبقرية النيام!.
اللهم أنت تعلم أني مااغتبتُهم إلا فيك.. وتعلم أنه لا ثقةَ لنا إلا في رحمتك.. فأنت وحدك القادر على أن تردّ شباب هذه الأمة وبناتها إلى أنوار الكتاب، وإلى عالم المحراب.
اللّهم فزيّنْ أقلامهم باليقين .. وثبّت أقدامهم في الميادين ..
وأعنهم كي يُخرجوا من أغوارهم كلّ طاقاتٍ خفين ..
اللّهم هبّ عوامنا العلم..
وهب علماءنا العمل..
وهب عاملينا الإخلاص..
وهب مخلصينا الصوابَ والتميّز في النجاح

وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

حملة دولية للإفراج عن الإخوان المحالين للقضاء العسكري في مصر

دشن موقع ملتقي الإخوان

حملة دولية للإفراج عن 40 من الإخوان المسلمين المصريين المحالين للقضاء العسكري

وأطلق عليها اسم

أفرجوا
http://www.release40.com/html/ar/Main.html

والحملة بثلاث لغات عربي - انجليزي - فرنسي

والحملة تعرض
للظلم الواقع علي الإصلاحيين المدنيين المحالين ظلما للقضاء العسكري

كما تعرض لسيرهم الذاتية

وسير القضية والمحاكمات

وتطلق ثلاث رسائل تفاعلية موجهة

للرئيس مبارك صاحب القرار الظالم والقادر علي الغائه

وللمنظمات الدولية للتضامن والتبني

ولعموم الناس للمناشدة بالافراج عنهم

فلا تحرم نفسك الأجر

وشارك
--------------------------------------------------------------------------------------
نقلا عن مدونة غربة للدكتور / أحمد عبد العاطي

Saturday, December 15, 2007

الداعية المحمول



أ. فتحي عبد الستار

تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة، بهذه الكلمات الموجزة البليغة، وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حال ركب الدعاة في كل عصر. وإن كانت كلماته ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلك تنصرف على الناس في كل أحوالهم ومجالات حياتهم، إلا أنها بحال الدعوة ألصق، وبمجال العمل في سبيل الله عز وجل أوثق.

يقول اللغويون في تعريفهم للراحلة: هي البعير النجيب المختار، كامل الأوصاف، الحَسَن المنظر، القوي على الأحمال والأسفار، وإذا كان في إبل عرف، لقلته وندرته.

والرواحل من الدعاة تجدهم كذلك فعلاً، فهم نجباء مصطفون، يقتربون من الكمال، حَسُنت ظواهرهم التي تشي بحسن باطنهم، تجد منهم - وإن كان في بدنهم ضعف- القوة والجلد على حمل أعباء الدعوة، والقيام بها على أفضل ما يكون، لا يعرفون تعللا ولا اعتذارا، وليس في قاموسهم القعود ولا النكوص، يُعرفون في جموع الدعاة ويبرزون كعلامات وشامات، دون إعلان عن أنفسهم، يشقون للدعوة، ويمدونها بعصارة نفوسهم.

وليت هؤلاء الرواحل من الدعاة يحملون أنفسهم وأحمالهم هم فقط، ويؤدون واجباتهم هم فقط، وإنما الواقع أنهم في الأغلب الأعم- لتخاذل البعض وتكاسله وتوانيه- ينوءون أيضا بحمل غيرهم وأثقالهم، وأداء واجبات هؤلاء الأغيار من الغثاء المحمول.

وليت هؤلاء المحمولين اكتفوا بإلقاء أحمالهم وساروا على أرجلهم، فكفوا الرواحل أنفسهم، ولكن هذا الصنف يأبى إلا أن يركب ويتصدر، دون أن يكلف نفسه جهدا، ولا نفقة من وقت أو مال، مطلقين ألسنتهم الحداد بالسوء من القول في حق من يحملونهم، إن توجع هؤلاء الرواحل أو صدر عنهم الأنين من ثقل ما يحملون!!.

هذا صنف، وهناك صنف آخر من المحمولين، لا يقل خطرهم عمن ذكرنا أولاً، وهم لا شك يمثلون عقبة في طريق الرسالة، وثقلاً فوق ظهور الرواحل، إنهم صنف قبع خلف أسوار نفسه، واستراح في ظلال الدنيا، تجدهم يحملون ألقاب الدعاة، مكتفين بشرف الانتساب، ولا يملون من التغني ليل نهار بهذا الشرف، ولسانهم لا يمل من الثناء على المثل العليا من الدعاة والمصلحين في الماضي والحاضر، وحكاية ما يبذلون ويقدمون، ممصمصين شفاههم، دون أن يؤدوا ما يفرضه عليهم هذا الانتساب الشريف من تبعات، باذلين الأعذار الواهية، والحجج المائعة، متواكلين على أن هناك غيرهم من الدعاة من يقومون بالمهمة دونهم، فهناك من يفكر عنهم، ويقرر عنهم، بل وينفذ عنهم، عطلوا عقولهم، وأنكروا قلوبهم، وشلوا جوارحهم، وأخرسوا ألسنتهم إلا عن مهاجمة من يريد تحريك ساكنهم، وإحياء مواتهم، وتنبيه حواسهم، متهمين إياه بالاندفاع تارة، وبضعف ثقته بالقيادة والمنهج تارة أخرى!!.

شبهة وردها

ربما يقول البعض - مريحا نفسه من عناء الإصلاح، أو يائسا من إجراء التغيير- بأن هذه الندرة في الرواحل سنة إلهية، وفطرة طبيعية، وناموس كوني لا ينبغي لنا أن نصادمه أو نعمل على تغييره، وأن مسألة عدد العاملين والمجاهدين ليست مطروحة في المنطق الإسلامي، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ... إلخ، ولكن - حسب ما أتصور - أن هذا يصح عندما تكون هذه الفئة القليلة كلها - أو الأكثرية الغالبة منها على الأقل- من الرواحل، وليس العكس، بأن يكون هناك بضع رواحل، والأكثرية الغالبة محمولة على ظهور هؤلاء الرواحل.

والأعداد فعلاً لا نعتبرها عندما تكون المواجهة بين الدعوة وأعدائها من الخارج، مصدقين بقول ربنا، ومؤمنين بوعده لنا، ولكنها لا شك تكون معتبرة عندما يتعلق الأمر بالحسابات الداخلية للمنتمين لهذه الدعوة، والذي يحسبون عليها بأنهم من حملتها والقائمين بشئونها، والمجاهدين في سبيلها.

ولا شك أن ظاهرة المحمولين تؤثر تأثيرا بالغا وخطيرا على سير العمل الدعوي، وعلى إنتاجه، وعلى أفراده أيضا، ومعرفة بعض هذه الآثار قد يدفعنا للسعي الحثيث لتجنبها بعلاج هذه الآفة في الحقل الدعوي، ومن أهم هذه الآثار:

- إعاقة إخوانهم من الدعاة الرواحل، وعرقلة جهودهم، وإبطاء سيرهم، والحد من قدرتهم على الاستمرار بأحمالهم الزائدة.

- إشاعة العدوى بين الدعاة، فقد ينقل هؤلاء المحمولون آفتهم إلى إخوانهم من الدعاة المخالطين، ممن ضعفت مناعتهم، وفترت هممهم، فيصيرون قدوة للكسالى وفاتري الهمم.

- تضييع الأوقات واستهلاك الطاقات في حل ما يثيره هؤلاء الأفراد من مشكلات، مما لو أنفق بعضه في الدعوة لحققت إنجازات قيمة ونجاحات طيبة.

الأسباب أولاً

وإذا أردنا الوقوف على علاج لظاهرة المحمولين، نخفف به عن ظهور الرواحل، ونضيف إليهم من يحمل معهم، فلا بد أن نعرف الأسباب أولاً لنتجنبها، ونحصن الدعاة منها، مع اعتبار أن ظهور كل صنف من هؤلاء المحمولين له أسبابه التي تختلف عن أسباب ظهور الصنف الآخر، ولكننا نجمع في حديثنا بين الصنفين، لأن آثارهما واحدة في الغالب، ومن تلك الأسباب:-

- الوهن القلبي، بحب الدنيا، والغفلة عن الموت والاستعداد له.

- فساد النية عند المنتسب للدعوة، باتخاذها إما وظيفة ينال عن طريقها المال، أو كوسيلة للظهور والشهرة، أو لاكتساب وجاهة اجتماعية، فأمثاله يريدون الدعوة أن تخدمهم، لا أن يخدموها هم، ويعيشون عليها لا لها، مثلهم كمثل الطفيليات التي تتغذى على غيرها، فهم في الدعوة وليسوا منها، والدعوة عندهم - كما يقول الدكتور فتحي يكن - : كالزهرة يضعونها في عروة ردائهم، مصدراً للجمال، يلفتون بها الأنظار، وينتزعون بها الإعجاب، فإذا ذبلت رموها، وبحثوا عن وردة جديدة أو دعوة جديدة، هم الذين يحرصون على أن يُنتخَبوا في كل مجلس إدارة، وأن يمثلوا في كل وفد، وأن يحضروا كل اجتماع.

- تشوش الرؤية، وافتقاد الوجهة، والجهل بطبيعة طريق الدعوة، ومتطلبات السير فيه، والتضحيات الواجبة على سالكه.

- انشغال الفرد بأعماله الدنيوية انشغالاًَ مبالغاً فيه، والنهم في جمع المال، والغرق في تلبية ملذاته وشهواته، وانتقال هذا بتأثير متبادل إلى أهله وذريته (إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: 15].

- تأثير البيئة التي ينحدر منها الداعية، وطبيعة النشأة الأسرية والمجتمعية، وما تأصل فيه من طباع سلبية، كل هذا قد يترك أثرا في الداعية حتى بعد انتسابه للدعوة، ويأخذ وقتا طويلاً وجهدا جهيدا لعلاجه منها.

- استعجال المربين في الحكم على المبتدئ، من خلال مواقف ومعايشات سطحية، واختبارات تمثيلية غير حقيقية، مما يؤدي إلى الزج به في أعمال ومسئوليات أكبر منه، قبل إنضاجه جيدا، وإكمال تربيته.

ولا شك أن هذه الأسباب كلها منشؤها واحد، وهو ضعف التربية الأولية التي يتلقاها الداعية في بداية ارتباطه بهذه الدعوة، وإهمالها لصالح الأعمال والإداريات، وعدم توفر المربي الكفء الذي يربي الدعاة على نهج سليم، فيقوم بالمهمة أناس إما أدعياء، وإما مساقون مضطرون، أو اضطرت الدعوة إليهم، فألقت بهم لاحتلال مواقع المربين، وهم للتربية أحوج، فيؤصلون في الأفراد قيما فاسدة، ويعطون من أنفسهم قدوات معيبة.

أعراض ومظاهر

فإذا توفرت هذه الأسباب أو البعض منها، تبدأ الأعراض في البروز، وهي مؤشرات ينبغي أن يلتفت إليها المربون ليتعاملوا معها مبكرا قبل استفحالها وتمكنها من الداعية، ومن هذه الأعراض:-

- خفة الهم الدعوي، وعدم استشعار عظمة ما يحمل من رسالة، فالدعوة وشئونها لا تحتل مكانا في قلب هذا الداعية المحمول ولا في عقله، فلا نجده يتأثر إيجابا بنجاح تحققه، أو بفتح قامت به، ولا سلبا بإخفاق تتعرض له أو بمحنة تبتلى بها.

- عدم إتقان واجباته الدعوية، هذا إن قام بها أصلاً، فضلاً عن إهماله وتخليه عن الكثير منها بالكلية.

- الاتكالية والسلبية، وافتقاد الذاتية، فهو لا يتحرك إلا بتكليف، ولا يعمل إلا حرجا من المحاسبة.

- إعطاء الدعوة فضول الأوقات، وفضول الطاقة، وفضول المال، والدعوة لا تقتات أبدا بالفضلات، وتأبى إلا أن تطعم بالمكارم والنفائس (لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: 92].

- كثرة الأعذار الواهية والحجج الباطلة في التخلف عن أداء تكاليف الدعوة، يسوقونها بينهم وبين أنفسهم، أو يتعللون بها للناس تخلصا من المعاتبة والمحاسبة.

- كثرة النقد بحق وبدون حق، والتنظير الدائم دون عمل، وتلمس العيوب والأخطاء والمثالب، وتضخيمها، دون اقتراح حلول أو بدائل.

- رفض النصيحة، والغضب من التذكير، وضيق الصدر من العتاب.

- الاستشراف للقيادة، وحرصه عليها، وطلبه إياها دون امتلاكه لمقوماتها، والقعود والإهمال إن تولاها غيره.

- الجزع عند الابتلاءات، والانهيار السريع أمام الفتن والمحن، (ومِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ولَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العَالَمِينَ) [العنكبوت: 10].

- المن على إخوانه الدعاة وعلى دعوته بالقليل الذي قد يقدمه، وتضخيم أعماله وإن كانت هينة، وهي في أغلبها هينة.

كيف العلاج؟

وبمعرفتنا للأسباب والمظاهر، يسهل علينا العلاج، فهو لا يكون إلا بتجنب الأسباب والقضاء عليها، والالتفات للأعراض والانتباه لها أولاً بأول، وعلاجها قبل أن تستفحل.

وهذا كله طريقه واحد، هو التربية، ثم التربية، ثم التربية، والاهتمام بتجويد عناصرها، من مربين، ومناهج، وبيئة مساعدة، بشكل متواصل، وبالتوازي مع الأعمال، مع التذكير الدائم بقيمة الرسالة، والغاية، والمتابعة، والتقويم المستمر والمراجعة لكل عناصر العملية التربوية، وتعديل ما يحتاج منها إلى تعديل، اتساقا مع المتغيرات، دون تفريط في الثوابت الحقيقية، لا ما يظنه البعض ثوابت، والمحاسبة أولاً بأول، بالحزم والشدة تارة، وبالعاطفة واللين تارة أخرى، حسبما يحتمل الموقف، مع اعتماد المصارحة والشفافية، في ضوء ما أرشدنا إليه ديننا من أخلاق، وما تفرضه علينا أمانة الدعوة من واجبات.

هذا، وإلا فإن دعوة يعشش في جنباتها هؤلاء المحمولون، ويركبون ظهور رواحلها، أعتقد أنها لا ترتجي بلاغا لرسالتها على الوجه الأكمل، ولا أداء لأمانتها كما ينبغي، وستظل تُستنزف في طاقاتها، وأوقاتها، وأموالها، وكلما زاد عدد المحمولين كلما أبطأت الرواحل، وطال الطريق، ولم تشرق له نهاية، ولم يبزغ لسعيها فلاح.

نسأل الله عز وجل أن يستعملنا ولا يستبدلنا، وأن يجعلنا من الذين يحملون دعوته، ويبلغون رسالته.

Thursday, December 13, 2007

شيخي وسيدي : الشيخ مصطفى محمود


هذا الرجل أذكره كثيرا هذه الأيام
الشيخ مصطفى محمود
من علماء الأزهر الشريف
حاصل على شهادة العالمية من الأزهر
ثم درس للحصول على الشهادة العالية ، وهي حسب قوله توازي الآن شهادة الماجستير
تعرفت عليه مع صديقي سيد وأسامة منذ عام 1982
وكنا في الصف الثاني الثانوي
كنا نذهب اليه في مسجد العلايا الكائن بسوق العصر حيث كان إمامه وخطيبه
وكنا نحضر درسه الاسبوعي ، وكذلك خطبة الجمعة
وكنا نذهب اليه قبل الخطبة بساعة وربما بأكثر من ساعة ، ونجلس معه ، نسأله في كل شيء ويجيبنا عن كل تساؤلاتنا مهما كانت سخيفة أو محرجة
أذكر أنني مرة كنت قد قرأت في كتاب إحياء علوم الدين (وكان هو الذي أرشدنا الى قراءته) كنت قد قرأت جملة تقول ان افشاء سر الربوبية كفر ، ولم أفهم معنى هذه الجملة وقتئذ -وحتى الآن طبعا - فسألته عنها في ملأ من تجار الحديد الذين هم بالكاد يصلون
فضحك بشدة وقال لي "والله انت بتلاقي حاجات غريبة في الكتب" ثم حاول أن يضيع الموضوع
ولكني برخامة شديدة كنت مصرا على معرفة الإجابة
فغضب - وكان نادرا ما يغضب - وقال لي "هو احنا خلاص عرفنا وعملنا كل حاجة وفاضل سر الربوبية ، وبعدين يا أخي لما هو افشاؤه كفر عايزني أقول لك عليه ازاي ؟" فسكت ولم أتكلم في هذا الموضوع بعد ذلك
لم يكن ينغص علينا جلوسنا معه الا "الشيخ فتحي" خادم المسجد سابقا ومقيم الشعائر حاليا
الذي كان لسبب لا نعلمه يعتبر نفسه ندا للشيخ مصطفى
وكان يسعد جدا اذا تخلف الشيخ عن خطبة الجمعة ، ويعتبر أن هذه فرصته
فيجلس في حجرة الشيخ ، ويخرج جميع كتب الشيخ من الصندوق ، ويفتحها ويبدأ في القراءة منها بصوت عال استعدادا لخطبة الجمعة
حتى اذا حان موعد الصلاة ، ارتدى الشيخ فتحي الملابس الأزهرية التي يرتديها في المناسبات فقط ، ووضع العمامة على رأسه ، ثم توجه صاعدا المنبر.
ويسلم الجميع أمرهم الى الله ، ويبدأون في الاستعداد للابتسام مالم يكن الضحك ، فالخطبة هي هي التي يلقيها منذ سنين مهما حاول أن يغير فيها ، فلا يلبث بعد بضعة دقائق أن يعود الى الكلام المحفوظ عن النفس التي تنقسم الى ثلاثة أنواع
وأذكر أنه مرة أراد أن يقلد الشيخ كشك في افتتاحه للخطبة وكان الشيخ كشك يقول من الواحد فيرد الناس الله وهكذا مع باقي الاسماء الحسنى
الا أن الشيخ فتحي صاح فينا بقوة : من الله ؟ وأسقط في يد الجميع فلم يعرف أحد ماذا يقول له
ولما أشتكى الناس للشيخ قال لهم : كنتم قولوا سبحان الله
وكان الشيخ مصطفي يعامل الشيخ فتحي كما يعامل الطفل الصغير
وكثيرا ما كان الشيخ فتحي يتطاول على الشيخ مصطفى ، وكثيرا ما كان ينالنا من هذا التطاول نصيب
المهم أنه وبعد سنوات رائعة الجمال عشناها مع هذا العالم الجليل ، أقصد الشيخ مصطفى محمود طبعا ، طلب نقله الى بلده في الصعيد ليعمل هناك مأذونا شرعيا ، بعد أن ضاقت به سبل العيش في القاهرة ، حيث لا كرامة لعالم ولا لإمام مسجد
كان الرجل متعففا عن أموال التجار وعطاياهم ، وكان كريم النفس عزيزها ، يقبل الهدية بشق الأنفس ، ولولا سنة النبي في قبول الهدية ما أظنه قبلها
وقد وفقنا الله الى هذا الشيخ العظيم في فترة عصيبة من حياتنا ، حيث كانت الجماعات الاسلامية على أشدها حتى عبر الشيخ وجدي غنيم -حفظه الله- عن هذه الفترة أنه كان اللي يصحى بدري الأول يعمل جماعة ، ولكن بفضل الله حافظ لنا هذا الشيخ الجليل على الوسطية في قلوبنا وعقولنا ، وكان يقف بشدة أمام أي رأي يجده يجنح عن هذه الوسطية التي كانت تميزه عن غيره
حتى جاء اليوم الذي سألناه فيه سؤالا مباشرا - وكنا في أولى سنوات الجامعة - عن الجماعات العاملة على الساحة وهل ينصحنا بالانضمام الى أي منها ؟
وفاجأه السؤال ففكر قليلا ثم أخذ يحدثنا عن دور كل مسلم في الحياة ، ثم سرح بخاطره الى شبابه وقال لنا : زمان واحنا في الأزهر كان معظم الطلبة من الاخوان المسلمين ، لغاية ما جاء عبد الناصر وبدأ في القبض على الاخوان ، وكان مهتما أكثر بالتنكيل بالاخوان من الأزهريين . ثم تغير وجهه وهو يتذكر زميله في السكن الذي كانت بطنه مفتوحة من العملية الجراحية وجاء الزبانية ليقبضوا عليه ، ولم يرحموا ضعفه ومرضه وأخذوه وبعد أيام علموا بوفاته . ثم يضيف الشيخ مصطفى : من يومها قررت أكون في حالي وأبعد عن كل الجماعات
فسألته مداعبا ومحاولا أن أخرجه من ذكرياته الأليمة : ولكن حضرتك ما اتقبضش عليك ؟
فرد في ضيق : مافيش حد من الأزهر ما اتقبضش عليه في الأيام دي ، بس أنا استعبطت فخرجوني بسرعة
فقال له سيد : يعني جماعة الاخوان ناس كويسة ؟
فرد الشيخ : والله هم ناس أفاضل وبيدعو الناس الى الأخلاق الحسنة وتاريخهم معروف ، بس أنا شايف انكم تكملوا دراستكم الأول وبعدين لما تتخرجوا ابقوا فكروا في المواضيع دي . وانتهت المناقشة عند هذا الحد
ولكن الاخوان كانوا في قلب الشيخ مصطفى ، وهو امام المسجد الملاصق لقسم بولاق أبو العلا والذي يصلي معه الجمعة مأمور القسم والمعاون وجميع رجال الشرطة في القسم ، ومع ذلك
عندما ذهبنا اليه يوم الجمعة 23 مايو عام 1986 وكنا في شهر منتصف شهر رمضان وأخبرناه بوفاة الأستاذ عمر التلمساني عليه رحمة الله حزن حزنا شديدا ، ثم المح في خطبته الى الحدث ثم فوجئنا به بعد انتهاء صلاة الجمعة يقف ويمسك الميكروفون ويقول : سنصلي صلاة الغائب على الأستاذ عمر التلمساني ، وهو كما تعرفون المرشد العام للاخوان المسلمين
ووسط ذهول الحاضرين ومنهم ضباط القسم صلى الشيخ مصطفى صلاة الغائب ، وصلى معه السادة الضباط كلهم

وقد علمت منذ أيام من الشيخ فتحي أن الشيخ مصطفى محمود قد توفاه الله
فرجاء لكل من قرأ هذه التدوينة أن يقرأ الفاتحة للشيخ الجليل وأن يدعو له بالخير فقد كان (رحمه الله) يستحق هذا الخير



Saturday, December 1, 2007

فلنحارب الترهل قبل أن يقتلنا


فقد اتزانه في تناول الطعام ، فهو يأكل أي شيء وكل شيء فقد الهاه التكاثر ، ففقد حتمية الانتقاء لما يفيد ويبني الجسم ، أغراه طعم التيك أواي والبيتزا والدهون وحسب أنها للذة طعمها صحية، غرته البهرجة على أغلفة الطعام المحفوظ ،وخدعته الطنطنة الفارغة من الاعلانات ، وذلك اما لقلة خبرته أو لشدة شهوته ، وما علم أن من اخترعوا هذه الأصناف يشكون مر الشكوى من آثارها وممن أدمنوا عليها فأهلكتهم .
تراكمت الدهون في جسده ، وصار جسده مترهلا ضخما ، هذه الدهون لا فائدة منها على الإطلاق بهذه الصورة للجسد ، بل على العكس فهي حمل زائد على العمود الفقري وعلى عظام الركبة ، وهي لا تكتفي بذلك بل تترسب على جدران الشرايين مسببة تصلبها ، وكذلك تلهي الكبد عن مهمته العظيمة والرئيسة في تخليص الجسم من السموم
ثم لا تكتفي هذه الدهون عديمة القيمة بما تفعل ، وانما تشعل الجسد صراعا فتتسبب في زيادة الكوليسترول ، وفي ارهاق القلب ، وارتفاع ضغط الدم والسكر وينتقل الجسم من مرض الى آخر فتثقل حركته وتكون هذه فرصة للدهون لتتراكم أكثر وأكثر ، وتضغط على الجسم أكثر وأكثر حتى تتركه جثة هامدة .
السؤال الآن من الذي قتله ؟ هل قتل نفسه أم قتلته نفسه ؟ لا .. لا .. لا تقل قتلته الدهون ، فالدهون كانت أضعف من أن تقتله لو عقل وقاوم ولم يترك شهوته تتحكم فيه .
اذن فما العلاج الناجح الذي يقي الجسم من الهلاك ؟
أحسب أن العلاج يتكون من عدة خطوات وهي :
1- التخلص الفوري من الدهون المتراكمة والمتمثل في عملية شفط دهون محترمة من مناطق تكدسها والإلقاء بها فورا – غير مأسوف عليها – الى سلة المهملات
2- وضع ورقة واضحة لا لبس فيها توضح النوعيات الجيدة والصحية من الطعام التي يصلح أن يتناولها الجسد السليم والتي تساعد في بنائه ونموه وليس في هدمه.
3- أن يوقن الجسم أن العبرة ليست بكمية الطعام ولكن بنوعيته الجيدة ، وأن يفطم عن شهوة التكاثر والاستزادة
4- أن يخضع الجسم لجدول واضح من الرياضة التي تهذب أعضاء الجسم وتخلصها من الدهون التي قد تكون مازالت عالقة بها ، مع المداومة على هذه الرياضات ، مما يوفر للجسم الصحة الدائمة ويجنبه تكرار تراكم الدهون الضارة التي من طبيعتها أنها لا تطيق الرياضة ، بينما تعد الرياضة إكراما وعناية بالأعضاء النافعة
5- الجسد الذي لا يستطيع السيطرة على شهوة بطنه لابد أن تجرى له عملية لتدبيس المعدة ، والتي ينتج عنها التحكم القسري في كمية الطعام التي تدخل الجسم مما يقلل من مخاطر النوعيات الرديئة من الطعام
6- استلهام عبرة التاريخ فكم كان عدد المؤمنين في بدر وكم كان عددهم في حنين ، اقرأ معي قول الله تعالى
" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً "
وقوله : " كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ "
أنا أعلم أن فطم النفس عن شهواتها صعب وأن اقتطاع جزء من الجسد صعب وأن الرياضة متعبة ، وأن الجسم المترهل قد يدفئك ، فلا تنخدع بدفئه الزائف ، ففي النهاية سوف يقتلك
وهكذا أي كيان يصيبه الترهل فإما أن يزيل أسباب ترهله فينشط ويتعب ويتحمل آلام التخلص من ترهله ، ولا يشغل نفسه بعلاج الأمراض الناتجة عن الترهل ، فهو كلما عالجها زادت لأن أصل الداء موجود ، وسيظل موجودا حتى يبلغ بهذا الكيان الى العجز ثم الموت
-----------------------------------------------------------------------------------
يقول الأستاذ المؤسس :
" إن ميدان القول غير ميدان الخيال ، وميدان العمل غير ميدان القول ، وميدان الجهاد غير ميدان العمل ، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ . يسهل علي كثير ين أن يتخيلوا ، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالا باللسان ، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل ، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل ، ولكن قليلا منهم يقدر علي حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضني . وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله ، وفي قصة طالوت بيان لما أقول ، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل ، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها ، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها "

من رسالة المؤتمر الخامس

Sunday, November 25, 2007

الصداقة والأصدقاء

أهدي هذه التدوينة الى الصديق الذي لم أكد أتمتع بصداقته حتى وجدت أنه يجب أن نبعد المسافة بيننا - رفعا للحرج عنه - آملا أن تستمر هذه الصداقة التي مازلت أعتز بها كثيرا .

----------------------------------------------------------------------------------------------

كتبها : د. إبراهيم العسعس

منـذ أنْ كان على الأرض اثـنان، والبحث عن الصديق مشكلة الـبشرية! ولا تُصدقوا أبداً أنَّ استحالة وجود الخلِّ الوفيِّ، والصديق الصدوق من أمراض عصرنا، فلا زلتُ كلما أوغلتُ في قـراءة التاريخ، أجدُ في كلِّ قرنٍ من يشكو من غياب الصديق الصدوق، والخـلِّ المُـشفق!

وكنتُ أسـألُ نفسي بعد كلِّ جولةٍ متى كان هذا المخلوق الخيالي موجوداً؟! يبدو أنَّه كان على الدوام بضاعةً مُزجـاةً، حتى قَرنوه بالغول والعنقاء!

وإنْ تعجبْ فعجَبٌ، قتلُ أحدِ ابْنيْ آدمَ أخاه وليس له على وجه الأرض عندئذ صديقٌ وأخٌ غيرُه!! هل الأنا في الإنسان أقوى من وُدِّ الصداقةِ والأخوة إلى الدرجة التي يَقبلُ فيها أن يجلس وحيداً في الأرض؟! بلا أنيس ولا أليف! وهَبْهُ غنياً عن الأخوة والصداقة! ألا صبر عليه ليؤنس وحشته وهو يعرف أنْ لا بديل له؟!

وهل انتهى العجب؟ كلا ... لقد ضحى بأنس الأخ، وإلف الصديق، فجوزي بأن أصبح غرابُ البَيْن له قـدوةً ومُعَلِّماً! لقد سَنَّها لنا سُنَّةً سيئةً، لا القتل فحسب، ولكنَّها سنةُ غَلبةِ الحسد على قوة الصداقة والأنس بها! ويضبطني الإنصاف فأقول: في كثيرٍ من الأحيان! واستمعْ لأبي حيان التوحيدي يشتكي قبل ألف عام:

وقبلَ كلِّ شيءٍّ ينبغي أنْ نثق بأنَّه لا صديق، ولا من يتَـشبَّهُ بالصديق، ولذلك قال جميلُ بنُ مُرَّة في الزمان الأول، حين كان الدينُ يُعانَق بالإخلاص، والمروءةُ تتهادى بين الناس، وقد لَزِم قَعرَ البيت، ورفض المجالس، واعتزل الخاصةَ والعامة، وعُوتِب في ذلك، فقال: لقد صحِبتُ الناسَ أربعين سنةً فما رأيتهم غفروا لي ذنباً، ولا ستروا لي عيباً، ولا حفظوا لي غيباً، ولا أقالوا لي عثرةً، ولا رحموا لي عَبْرةً، ولا قبلوا مني عذرة، ولا فَكُّوني من أسرة، ولا جبروا مني كسرة، ولا بذلوا لي نُصرة، ورأيتُ الشغلَ بهم تضييعاً للحياة، وتباعُداً من الله تعالى، وتجرُّعاً للغيظ مع الساعات، وتسليطاً للهوى في الهنات بعد الهنات، ولذلك قال الثوريُّ لرجلٍ قال له أوصني قال: أنكِـر من تعرفه، قال: زِدْني، قال: لا مزيـد. (الصداقة والصديق 1 / 3). أرأيتم.. حتى سفيان الثوري رحمه الله في القرن الثاني كان يشكو؟!!

قالوا: إنَّما سُـمِّيَ الصديقُ صديقاً لصدقه. يفهمُ الناس أنَّ الصدق المقصود هو صدقُ اللسان! وهو ـ على نُدْرته ـ لا يكفي في حدِّ الصداقـة.

صدق الصداقة يعني: صدقَ المشاعر، صدقَ المواقف، مطابقـةَ الظاهر للباطن، صراحةَ القول، فتغييبُ الحقيقةِ عن الصديق مخالفةٌ لحدِّ الصداقة، وخيانةٌ لحقِّ الإخاء.

ومن أكبر الخيانة أن تُسجِّل لصديقك موقفاً أو حالة، أو تعرف عنه خُلُقاً، وتسكت عن كلِّ ذلك، فإذا بك عند أقلِّ خلاف، أو بداية جدال واجهتَه بما تعرف، وعيَّرته به!

قال المتنبي: ... وما وُدٌّ بلا سبب. كلُّ صداقةٍ ولها دافع، وكلُّ مودةٍ ولها أسباب. ولا يعني هذا أبداً أن الصداقة مبنيةً على المصلحة المذمومة، فتلك حالةٌ أخرى، تُذمُّ بها العلاقةُ التي تُشبه ظِلَّ الشمس يُوشك أنْ يتحرك، أو كسحابة الصيف لا تلبثُ أن تَقشَّعا.

العلاقة المذمومة هي التي سببها مصلحةٌ ذاتيةٌ زائلةٌ. في واقع الأمر لا تنشأ علاقة بلا سبب، وأول هذه الأسباب التجانس، وقد علمتني الحياة أنَّ كلَّ علاقة لا تجانُس فيها فأمرُها إلى زوال حتى لو كانت علاقة دم.

فقلتُ أخي، قالوا أخٌ مِن قرابةٍ؟ فقلتُ لهم: إنَّ الشُّكول أقارب

وقال أحد الحكماء: بِحُسْن تَشاكُل الإخوان يَلْبَثُ التواصل.

قال له: أتُـراك قطعتـني؟!

فردَّ عليه: أبداً إنَّ هذا لم يحدث!

فقال: فما سِرُّ هذه الجفوة إذن ؟!

قال: لا جفوة، ولا قطيعة، فكلُّ هذا لم يكن. كلُّ ما في الأمر أنَّني باعدتُ المسافة.

قال: لكن لماذا؟! لقد كنَّا أحباء، وأصدقاء؟

قال: ولا زلنا كذلك، لكنـك لم تَحْتَمِل ذلك القُرب، فحرصت عليك وعلى صداقتك، فخرجتُ من حالة الاندماج، إلى حالة أبعد قليلاً.

وهكذا، الصداقةُ هي فنُّ إدارةِ المسافةِ بين اثنين.


Tuesday, November 20, 2007

مهزلة اخوان أوف لاين ... نموذجا

أنقل الى سيادتكم هذه التدوينة من مدونة الأستاذ حسام الغمري واسمها (أخ جامعة) وأترك لسيادتكم التعليق

كان في الليلادي كونفرانس على الياهو نظمناه كمدونين من لجنة سجناء الرأي والحريات
وكان نجمه المدون صاحب فكرة اخوان اوف لاين أو المتحدث باسم منفذيها كما يفضل ، هو أعلن عن نفسه لاول مره بإنه المدون محمد عادل صاحب مدونة "ميت:"
ودار كلامه عن ان المشكلة دي ليها سببين كلاهما يؤدي للآخر
الأول ان عبد المجيد الشرنوبي مدير اخوان اون لاين بياخد شغله ويكتب عليه اسم اخوان اون لاين في الوقت اللي مش بيسمح فيه لإن حد ياخد منه الصور دي او الشغل ده .. دي حاجه الحاجه التانيه واللي الأولانيه جزء منها انه شايف ان الموقع منغلق على الاخوان بس ومش بيعرض آراء أخرى غير آراء مكتب الإرشاد على حد قوله
كلامي معاه كان في نقطه واحده بس وأعتقد ان هي أساس الفكرة ..
للأسف انا كنت فاكر انه وصل لأعلى المستويات في طرح مشكلته وطرق كل الأبواب وواجهه صد من كل الجهات التي تواصل معها ..
ولكن للأسف في حديثي معه وسؤاله عن الجهات التي عرض عليها رأيه في الموقع ورؤيته
فقال أنه عرض الامر على الشرنوبي مدير الموقع والشرنوبي رد عليه باستهزاء
قلت له ربما الشرنوبي شخص غير جدير بمكانه كمدير لاون لاين فهل حدثت غيره ؟. هل صعدت شكواك بشكل أوسع إلى الأعلى
قال أنه اتخذ هو وفريقه خطوة اوف لاين والتي مهدت لهم طريقا للتواصل مع مسؤولين في الاعلامية المركزية
بصراحة تعجبت كثيرا من رده .. حدثته عن أنني لدي الكثير من الأفكار والاعتراضات على العديد من الأمور التي اعرضها على الكثير من الاطراف التي تعلوني اداريا وحين لا اجد صدى فإني أصعد الأمر وصولا إلى المكتب الإداري بالإسكندرية .. فهل قام هو بمثل هذه الخطوة ؟
سألته إن كان قد تواصل مع إعلامية القطر لكنه قال أنه تواصل مع إعلاميات مركزيه بالقاهرة
بصراحة أصابني الإحباط بعد التحدث إلى أخي محمد عادل ..
فلم أكن أتخيل أن الأمر بهذه السطحية ..
كنت أظن حين كتبت تدوينتي "تحية إلى إخوان أوف لاين" أنه موقع قام عليه فريق من الذين جهدت أصواتهم منادين بالتغيير ولكن لم يسمع لهم بعيدا عن شخصنة الصراع -إن جازت تسميته صراعا -
ولكن الأمر لم يكن بهذا العمق ..
وكانت هناك الكثير من الطرق التي كان من الواجب سلوكها قبل الوصول لهذه المرحلة
أمر آخر وهو ما يتعلق بالمصري اليوم فقال أن الموقع لم يكن من المفترض ان ينشر على المصري اليوم ولكنه
تسرب من الفريق .. هذه الأولى ..
الثانية أن ما يتعلق بعمل مكتب ارشاد موازي كان مزحة من أحد افراد فريق اوف لاين قائلا "مانعمل بقى مكتب ارشاد موازي بالمره" وتسرب الخبر من الفريق ثانية إلى المصري اليوم وطلت علينا صباح الامس بهراءها المعتاد
كما قلت الأمر من بدايته محبط ومخيب للآمال ..
ولم يدعم فكرة الديموقراطية داخل الجماعة لانه لم يبن على فكرة النقد البناء من أساسه
دعوته إلى و ضع تخيل ورؤية لموقع إخوان أون لاين يضع فيها يده على نقاط الضعف التي يراها ويشاركه في هذه الرؤية كل من له طرح جديد وجيد تعرض على الفقهاء وتناقش لتظهر رؤية جديده إن كانت أفضل فسيعمل بها بلا أدنى شك وتعتمد لتصبح هي سياسة اون لاين الجديدة .. وضمنت له ان أساعده في توصيلها إلى أعلى المستويات الادارية في الجماعه وان يشارك بها اعلاميون من كل انحاء العالم
لكنه للأسف الشديد كان رده مخيبا حين قال لقد وضعت واحدة وانا في طريقي لتجديدها او شيء من هذا القبيل وسيقوم هو بتوصيلها ، يبدو أنه لايريد مشاركة أحد له في اعدادها أكثر من فريقه .. لا بأس ..
ولكن كان من المفترض ان تكون تلك الخطوة قبل ما حصل
في النهاية محمد أعلن إعتذراه عما قام به وقال انه هينزل اعتذار عالموقع اوف لاين وهيبعت اعتذار ينزل على المصري اليوم
وكان في الكونفرانس صحفي من المصري اليوم حصلت مشاده بينه وبين الناس اللي اتهموه انه هيلفق الكونفرانس ويطلع كلام مغلوط -ياريت تنتبهوا للنقطه دي- والراجل قال قولولي اكتب ايه ..
المهم محمد اعتذر عما فعله واعلن تراجعه عن الفكرة وانه هيعالجها بالاعتذار على للصحافة
وكان لي اعتراض على انهاء الموضوع اعتذار وبس ..
لازم الصحافة تعرف ان في مراجعة وبحث هيتعمل لإعادة النظر في سياسة إخوان أون لاين حتى لا يذهب ما جرى هدرا أتمنى لأخي محمد التوفيق في حياته
انتهت التدوينة
إضافة نقلا عن مدونة ميت
ملاحظه خطيره : العميد ميت لم يعتذر ﻷحد علي شيئ ، والإعلام الإسلامي يحتاج لتطوير وتغيير شديد

------------------------------------------------------------------------------------------
لم أتمالك نفسي أن أعلق
رحم الله سيدنا عثمان بن عفان ، فبعد أن قتلوه اعتذر كثيرون ممن أعانوا على دمه بكلماتهم
ولكنه كان قد مات ، وأفضى الى ربه شهيدا مظلوما
وأسأل الله ألا يأتي اليوم الذي نندب فيه دعوتنا التي كانت
ثم ذهبت الى ربها شهيدة مظلومة
بعد أن أعان على دمها من
ظن
وحسب
وتخيل
ومزح
ثم اعتذر
آسف فهو لم يعتذر

Thursday, November 15, 2007

أرض الله واسعة ودعوة الله أوسع


تخيل أنك تريد الذهاب الى بلد يبعد عنك مسافة طويلة وبعد أن ركبت القطار وسار بك عدة ساعات سألت من بجانبك : هو فاضل كتير على البلد الفلانية ؟ فرد عليك باستغراب : بس القطار ده مش رايح البلد دي ؟ مش كنت تسأل قبل ما تركب !!!

هذا الموقف الصغير خسر فيه الراكب وقتا ومالا ولكنه لم يخسر عمره

كثيرة هي هذه المواقف في دنيانا التي يخسر فيها الشخص عمره ، ولو توقف قليلا وسأل ، لعدل عن وجهته واتخذ لنفسه وجهة أخرى تناسبه وتفيده

المشكلة في هذا الأمر أن العمر واحد فقط ، اذا اهدرناه خطأ أو فيما لا نعتقد بصحته أو جدواه فقد ضاع العمر ولن يعود ، ويظل الواحد منا نادما على سنوات عمره التي مرت وضاعت بلا فائدة ، وهيهات ينفع الندم .

والعاملين في حقل الدعوة وبخاصة المنتظمين في صفوف الحركات والتنظيمات الاسلامية التي تتبنى الخط التربوي في اعداد كوادرها والتي تكاد تنحصر في "جماعة الاخوان المسلمين" يجب أن يكونوا أحرص الناس على هذه المفاهيم لعدة أسباب

أولا : أن عملهم المفروض أن يقصد به وجه الله عز وجل فقط لا لمنصب أو مغنم أو تقدم أو تأخر ، ولو ضاع العمر من أجل واحدة مما سلف ذكره فالويل الويل من عذاب الله " فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "

ثانيا : أنهم يقدرون قيمة الوقت فالوقت هو الحياة

ثالثا : أنهم لم يستدرجوا للانخراط في هذه الحركات ، ولم يجدوها مطية الى مغنم وانما قام من هم أكبر منهم بتربيتهم السنوات الطوال وتبيين المنهج والفكر والوسائل والعوائق والمخاطر أمامهم حتى اذا اطمأنوا الى صدق نيتهم وجد عزمتهم قاموا بادخالهم الى صفوف الجماعة ليستكملوا تربيتهم ولكن داخل الصف في عملية مستمرة الى أن يلقوا ربهم .

فمعنى ذلك أن الدخول كان صعبا جدا واحتاج الى فترة طويلة ومشقة وجهد أما الخروج من الجماعة – وأنا لا أدعو اليه – فماذا يحتاج ؟

لا شيء !!!! ينوي الرجل الخروج ومفارقة الصف فيصبح في الخارج وله كل الاحترام ولا يمسه أحد بسوء بفعل ولا بكلمة .

فما الداعي اذا الى أن يضيع الرجل عمره فيما لا يراه صحيحا أو يرى فيه شبهة لا علاج لها والخروج سهل ميسر بهذا الشكل ؟

رابعا : أن كلفة العمل للإسلام الآن أصبحت باهظة جدا ، لا يقدر عليها الا المجاهدين بحق بأوقاتهم ، وأموالهم ، وأهليهم ، وبحريتهم بل وبحياتهم أيضا

فلا يظن أحد المخلفين الذين رضوا بصرف وقتهم في العمل لجني الأموال أو بين الزوجات والأبناء ، يرفض أن يضحي بأي شيء ولو كان قليلا ، ولا حتى القليل من الوقت ليتربى وتسمو نفسه وتتهذب أخلاقه ، لا يظن هذا الشخص المحمول أنه ذو فائدة أو ذو قيمة لهذه الدعوة مادام غير مستعد أن يدفع كلفتها

فتخيلوا شخصا يدفع هذه الكلفة ثم اذا وقف مع نفسه ولو قليلا وخبرها لأخبرته أنها غير مقتنعة بهذا العمل ، وأنها غير مقتنعة بالأهداف والوسائل ولكنها تعمل من باب العادة أو خشية النقد واللوم من الأنداد

هذه كارثة على هذا الرجل وعلى دعوته التي ستؤتى لا محالة من قِبَلِه ، وماذا لو مات على هذه النية ؟ مصيبة وخزي الدنيا والآخرة

أقول هذا الكلام لأني أرى هذه الأيام أناسا يكتبون وينشرون ويصرحون ويصرخون في كل مكان بأحاديث أقل ما توصف به أنها غير منطقية فهم – هدانا الله وإياهم الى الحق – لا تعجبهم مناهج الجماعة ولا وسائلها ولا سياساتها ولا برامجها ولا مرشدها ولا مكتب الإرشاد ولا موقع الجماعة على الانترنت ولا اخوانهم القائمين على تربيتهم – ان كانوا يحضرون الجلسات التربوية أصلا – أي بالاختصار لا يعجبهم أحد ولا يعجبهم شيء ، ويهاجمون كل هذه الأشياء بأقسى الألفاظ وفي كل مكان ، فاذا دعوا الى الحوار غاب معظمهم عن الحضور وادعوا عدم جدية الجماعة في التغيير ، واذا واجهتهم بخطأ ما يفعلون شرعيا وتنظيميا ، كشروا لك عن أنيابهم ، وهاجموك بصورة لم تعرفها أخلاقيات ولا أدبيات الجماعة أبدا الا في أيام الفتن السوداء ، ثم كالوا لك الاتهامات بمحاولة تكميم الأفواه وقطع الألسنة وأن هذا مصير كل من ينتقد في الجماعة ، وأنك تريد تأليه القادة والرموز ، وأنك من الحرس القديم ، وضد التقدم والتقدميين ، وأنك ضد حرية الرأي ، وأنك منتفع ببقاء الأوضاع على ما هي عليه ... الخ

الغير منطقي في الأمر أن هؤلاء السادة – وبالمناسبة معظمهم لم يتعد سنه الثلاثين سنة ، وهذا لا يعيبهم - الذين لا يعجبهم شيء مصرون أن يظلوا في الجماعة ، وأن يسيئوا اليها صباح مساء وأن يسبوا رموزها وينشئوا موقعا موازيا وينتخبوا مرشدا موازيا ومكتب ارشاد مواز كذلك !!!!

ما الداعي الى ذلك يا سادة ؟

أنا أعلم أنكم لو أعلنتم أنكم تركتم أو ستتركون الاخوان فسوف تحتفي بكم جهات معينة ، ثم سينسونكم وينساكم الناس ، فقد اكتسبتم قيمتكم من اعلانكم أنكم من الاخوان ولولا ذلك ما أعاركم أحد انتباهه ، مهما كنتم ومهما قلتم

ألا يدعوكم هذا للتفكير ؟

لا تخافوا على دعوة الله ، فهي لن تتوقف بترككم لها ، والا لتوقفت بترك من هم أفضل منكم لها .

وهل هذه سلوكيات من يخاف على دعوته ؟

احترم جدا من تركوا الجماعة بأدب ورقي أخلاق وأنشأوا حزبا أو جمعية أو حتى عملوا منفردين ، وهم مع ذلك على علاقة جيدة جدا بالاخوان ويتبادلون الحب والتهاني في جميع المناسبات

احترم من لم يستطبعوا تحمل الاختلاف فقرروا الرحيل

احترم حتى من رأى نفسه وطاقاته أكبر من أن تستوعبها الجماعة فرحل

أحترم كل صادق مع ربه ثم مع نفسه

أحترم كل عاقل يتصرف بحكمة ومنطق

أنا لست الآن في جماعة الاخوان المسلمين ، وان كنت ممن ينتمي اليها فكريا ، وتربيت في أحضانها السنين الطوال ، وأدين لها - بعد الله عز وجل - بالفضل

وأنا لا أدعي عصمة الجماعة ولا عصمة أحد من أفرادها

كلمة أخيرة لهؤلاء السادة الأفاضل

الدنيا بره الجماعة طراوة جدا

موحشة بس طراوة

جافة بس طراوة

برد بس طراوة

وعندما سيلسعك البرد

ستشتاق الى اخوانك بكل عيوبهم

وستعرف عندئذ فضلهم .

Tuesday, November 13, 2007

الشيخ / وجدي غنيم في هجوم كاسح على التجمع السلفي: أأنتم سلفيون؟! حسبي الله ونعم الوكيل


دون تردد وبأشد العبارات وضوحا وقسوة شن الدكتور وجدي غنيم هجوما شديدا على مناوئيه في الكويت... وصب جام غضبه على التجمع السلفي الشعبي... وذم بشدة ما ورد بصحيفة الاستجواب البرلماني الذي قدمه النائبان الدكتور علي العمير والدكتور وليد الطبطبائي ضد وزير الأوقاف ووزير العدل السابق الدكتور عبد الله المعتوق...
وخلال مقابلة خاصة مع «الراي» أوضح موقفه من الغزو العراقي للكويت عام 1990 – 1991 ومن صدام حسين الرئيس العراقي المخلوع الراحل...
وحتى تظل حرارة اللقاء بيد القارئ كما هي شئنا الإبقاء على ما ورد منه كنص حرفي اختلطت فيه العامية بالفصحى... كما هو وارد تاليا:
- ما قولكم بالاتهامات الموجهة إليكم من التجمع السلفي الشعبي في الكويت بخصوص الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990؟ وماذا كانت مناسبة الكلام... وإذا كان الكلام غير صحيح فهل تظن أن أخويك النائبين المستجوبين يفتريان عليك؟!
- من هو التجمع السلفي الشعبي ومن هؤلاء؟!... والله إن هؤلاء لا يمثلون السلف الصالح إطلاقا... وسأقول الأدلة لك، الغزو العراقي للكويت عام 1990... الحمد لله أن الشرائط كلها موجودة... لكن القلب الأسود والنظارات السوداء لا ترى إلا كل سيئ... أنا أول واحد من فضل الله، لعنت صدام حسين وهو حي، وأن الغزو كان خطأ... والكلام ده ما يصحش... وقلت وغلط وازاي يخش على شعب آمن زي شعبنا... واننا مستعدون لأن نذهب للكويت لندافع بأرواحنا وأنفسنا... يمكن هي فقط الكلمة اللي طلعت وقلت لما الناس طلعت... ليه؟ ما تقفوا وتثبتوا... هذا فقط اللي ماسكينه عليّ بأني أسأت لأمير الكويت؟... ولكن ده يدل على حبي للكويت وأنا يعني لو ما بحبش الكويت... طب ما يخش أو ما يخشش أو يطلعوا أو يقعدوا طب وأنا مالي... لكن أنا حبي لبلدي بلد إسلامي قلت أنا أروح الكويت أدافع عنها... والكلام ده من ستاشر سنة يا أخي... وعمل شريط وعملش شريط يا أخي طلّعوا الشريط نشوف بيقول إيه الشريط؟!ّ
سلف؟! شوف السلف بيقول إيه؟! ويعلم الله انهم لا يفهموا بالسلفية... السلف الصالح أخي الحبيب هم من يتمسكوا بالقرآن والسنة... القرآن بيقول إيه؟! القرآن بيقول: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضهم (مش أعداء بعض!)... يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم... السلف الصالح لما واحد راح يزور الإمام الشافعي يقول له قوّى الله ضعفك... فيقول له الشافعي لو قوّى الله ضعفي لقتلني... قال والله ما قصدت... قال والله إني أعلم أنك إنما قصدت هذا... قال والله لو شتمتني لعلمت أنك لا تقصد هذا... هذا هو السلف الصالح... السلف الصالح لما سيدنا حاطب بن أبي بلتعة كتب رسالة إلى قريش بأن النبي عليه الصلاة والسلام قادم لفتح مكة سنة عشرين هجرية، وهذه تعتبر مصيبة كبيرة عندهم استدعاه النبي عليه الصلاة والسلام وقال هل هذه رسالتك قال نعم... قال لم فعلت هذا قال: فعلت كذا يا رسول الله وقد أردت أن يكون لي يد عند قريش وكلكم له اقارب هناك وأنا أعرف أنك ستفتحها يعني حتفتحها!! فقال النبي عليه الصلاة السلام لعل الله اطلع على أهل بدر فقال يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم... السلف الصالح أخي الحبيب يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان... مش كلما جاءت أمة لعنت أختها والعياذ بالله... سلف إيه اللي بيتكلموا عنه؟... دول آخر ناس يتكلموا عن السلف الصالح... السلف الصالح مهمّاش قلالات الأدب، بيتكلموا عن داعي إلى الله ويقولوا غرور وغباء حسبي الله ونعم الوكيل... والله مش مسامحهم في هذا الكلام... أما إذا كانا يفتريان عليَّ فهذه نفوس يا أخي وأنا لا أعلم ما بها... أنا لا أعلم هذه النفوس... أنا حوربت وسجنت في بلدي ثماني مرات وخارجها مرتين وأعدت من المطارات ثماني مرات... واضطررت أسيب بلدي لكن أول مرة أحارب من جهات تدّعي أنها سلفية لا حول ولا قوّة إلا بالله وحسبي الله ونعم الوكيل.
- بعد أن سمعت بما ورد في صحيفة الاستجواب المقدم للوزير المعتوق هل قمت بمحاولات لشطب ما ورد فيه؟
- والله يا أخـي حتى هـذه اللحظـة لا أعـرف أنا قلت إيه... ولا أعرف الشريط ده نظامه إيه... الناس دي لو عندها دين... الناس دي لو فعلا مربية ذقونها صحيح... على هدي السلف الصالح... لقالوا لي تعال يا أخ وجدي..لو فيه قلوب مؤمنة... قلوب تحب الخير... مش قلوب محاربة لدعوة الله عز وجل... قلوب حاقدة... قلوب سوداء... ولو كانوا غير ذلك لجاؤوني وقالوا يا أخ وجدي أنت قلت كذا أم لا... مش يمكن الشريط ملفق... أنا ثماني حبسات دخلت السجن بسبب شرايط، وفيها أشياء لم أقلها... أسهل شيء اليوم هو تلفيق الشريط، والمحاكم اليوم لا تأخذ بالصوت لأن هذا أمر يمكن أن يلفق..أنا عايز أحد يواجهني ويقول لي ماذا قلت... واحد يقول شتمت الأمير... طيب قلت إيه؟... واحد مات... لما يكون واحد مات وانت تقول عنه غلط... أنت تسيء له... الحديث النبوي كما ذكره الترمذي وأبو داود: اذكروا محاسن موتاكم... أي تجنبوا الإساءة... والحكام والملوك يعني ملايكة... آلهة... هؤلاء ليسوا آلهة ويمكن أن يخطئوا ونوجههم... السلف الصالح كانوا يقولون: رحم الله رجلا أهدى إليّ عيوبي... أنا قلتها بأي طريقة؟ أنا مش عارف قلت إيه... هم حاكموني عن بعد وأعطوا الأحكام... وحسبي الله ونعم الوكيل.
- هل كان لكم أي علاقة من أي نوع من النظام العراقي السابق وهل ساهمتم بأنشطة يمكن أن يفهم منها توجيه دعم لهذا النظام؟
- إطلاقا لم يحدث... ما زلت أقول وقلت هذا من 12 سنة... لكن النفوس الحاقدة... والقلوب السوداء لا تقول إلا السيئ لأنها لا تنظر إلا إلى السوء، أنا لعنت صدام حسين وهو عايش، وقلت هذا الرجل وحزب البعث والخيبة... ما كان راح على فلسطين، لو هو عامل راجل كده على إخوانا الآمنين في الكويت، واحنا مستعدين ندافع عن الكويت وشعب الكويت... بلد مسلمة... مستعدين نروح وندافع بأرواحنا، والجيش المصري راح الحمد لله، مفيش عندنا مشاكل يا أخي... يعني أنا إطلاقا إطلاقا حتة إن احنا مع النظام السابق... بل بالعكس... بل قولة إن قال لا إله إلا الله وهو بموت؟... قلت لا والله مش هتنفعه... لأن ده حزب بعث ولم يتبرأ من حزب البعث... والمحامي بتاعه بيقول ما زال مصرا على مواقفه... وغير نادم على أي شيء عمله... ولما اتحكم عليه بالإعدام البراز والا البرزاني اللي جنبه ده... قال يحيا البعث... ولما دخلت القوات الأميركية العراق قال يحيا البعث بالتلفزيون... يبقى لم يتبرأ من البعث، والقاعدة الشرعية تقول ان من خرج من الإسلام من باب فلا بد أن يعود من نفس الباب، وهو ما عادشي... لم يرجع... يبقى حتى لو قال لا إله إلا الله في حياته... متنفعوش لأنه لم يتبرأ من حزب البعث، فكيف تنفعه في مماته؟! وأنا قلت الكلام ده... لكن معرفش النفوس اللي تاخذ الكلام ازاي... بطبيعتها!..
- هل تعتبر أن الموقف المعلن تجاهك من جانب النائبين علي العمير والدكتور وليد الطبطبائي في الكويت مبالغ فيه وليس له أي مبرر؟... وما ردك عن تأكيداتهم بأن لديهم شريطا مسجلا بأقوالك؟
- انا ما أعرفش الاثنين دول قبل كده... ومبررهم لمنعي لأن أدخل الكويت هو محاربة الدعوة... أمنع من دخول الكويت ليه... هل هذه محاربة للدعوة... هل هذه ناس تحارب الدعوة... ربنا لن يشفع لهم... وأنا لن أسامحهم... أنا عايز بس أذكرهم باسمي... أنا وجدي غنييييم... أرجوك اكتب دي... أنا وجدي غنيم... مش وجدي جرجس... أنا أدعو للإسلام... مش بدعو لليهودية أو المسيحية، أنا طلعت المنبر من فضل الله عليّ سنة 1971 معرفش دول كان سنهم إيه... والا كانوا فين دول... ومن فضل الله من فضل الله معاي شهادات في الدراسات الإسلامية... وماجستير ودكتوراه الحمد لله تبارك وتعالى... وحتى لو عندهم شريط خلينا نشوفه سوا ونعالجه بيقول إيه... الكلام ده اتقال من ستاشر سنة... انت رايح تجيب حاجة من ستاشر سنة؟؟ سبحان الله مش عارف أقول إيه... طب والله مش فاكر... مش يمكن أنا قلت صح... أو إنه ملفق... من طرف واحد لا يجوز صدور أحكام... لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه... لكن من طرف واحد تصدر أحكام؟... يبقى انت رجل حاقد وقلبك أسود ومحارب لدين الله سبحانه وتعالى... الكفرة والمشركون يخشون الكويت... والمسلم وجدي غنيم ما يخشش... ده مين اللي بيقول كده؟!.. وتقول لي سلفي؟! سلف إيه... والله العظيم ده السلف بريء من هذا الكلام..
- هل صحيح أنك تحدثت عن شباب الكويت بوصفهم جميعا من الجنس الثالث كما ورد في صحيفة الاستجواب المقدم ضد الوزير السابق الدكتور عبد الله المعتوق؟
- أولا هم عايزين يسقطوا الوزير ودي حاجات سياسية وحاجات في مجلس النواب... وأنا لا دخل لي بها ولا بالوزير... لكن ليه يستخدموني أنا؟... هذه ليست رجولة... من يقول اني تحدثت عن شباب الكويت بوصفهم جميعا من الجنس الثالث والله هذا الكلام حرام... والله ما فاكر قلت ماذا... ما قيل هو سؤال عن قيام مظاهرة للجنس الثالث في الكويت... طيب ماذا يضير هذا شعب الكويت... هو شعب الكويت ده شعب ملائكي؟!... كل شعب فيه الطالح والصالح، وأنا ضربت مثلا بالبيان الأول الذي أصدرته، وقلت بأن عندنا في مصر شارع الهرم... فهل يعني ده إن كل المصريين متنيلين بنيلة؟!... في بعض البلاد فيها شوارع متنيلة بستين نيلة!... وهي بلاد إسلامية فهل معنى كده ان البلد كلها كده... أنا قلت ما قلتش... إن كنت قلت أنا مش حنكر كلامي... لكن قصدي إيه من الكلام... أكمل الكلام... الكلام كان في أي سياق... لا تقل لا تقربوا الصلاة... ويل للمصلين... أكمل الكلام... ولا تنقل الكلام من وسطه... هل أسيء لشعب كامل؟... ليه؟... الواحد لما ينتقد فإنه ينتقد الفئة كذا... ويسمي... لا يعمم.
- هل يمكن لنا أن نعتبر أن هناك علاقة خاصة أو شخصية جمعتكم مع الوزير السابق المعتوق؟
- لا والله... أنا معرفوش... أنا يمكن سلمت عليه مرة... لكن لا في أي علاقة لا شخصية ولا أي شيء بيني وبينه إطلاقا... هو كما قيل لي... يعني انه كان ليه اتجاه صوفي أو كده وإن اللي عايزين يسقطوه بيدعوا انهم سلفيون وعايزين يسقطوه عشان اتجاهه، فأعدوا يدوّروا بقى ومش عارف مين جاب لهم الكلام... ويمكن يكونوا هم مستخدمين الله أعلم!... هل الشريط كان عندهم من مدة... أنا معرفش... لكن شمعنى يظهر في الوقت ده... يعني ياللي بتدعوا إنكم سلفية وسلف صالح... السلف الصالح يجمعوا لا يفرقوا... خصوصا السلف الصالح... نحن في مرحلة تجميع الأمة... مش تفرقة الأمة والتحزب والتعصب الأعمى... نحن في مرحلة لا تحتمل... الإسلام مستهدف والأمة مستهدفة والأوضاع معقدة... أنتم بصف من ومع من؟
- هل زرت الكويت بعد التحرير أي بعد العام 1991 وفي عهود وزراء آخرين غير الوزير عبد الله المعتوق؟
- معرفش... مش فاكر في عهد مين... أنا رحت الكويت كثير... وفي الأيام الأخيرة... ما زرت الكويت لأني ممنوع من السفر كل ما أطلع أرجع تاني من المطار... لكن الحمد لله من سنتين زرت الكويت... وسعدت جدا بالزيارة والقلوب الطاهرة اللي شفتها... مش القلوب السوداء!... شملوني بحبهم وعطفهم... والحمد لله مش اللي عايزين يمنعوني من دخول الكويت... والحمد لله أنا بسافر لدول الكفر بتديني فيزا وأسافر في سبيل الدعوة إلى الإسلام ودول عايزين يمنعوني من دخول بلد مسلم والتبليغ لشعب مسلم... سلف إيه... سلف إيه... والله السلف بريء منهم.
- إذا كان ما قلته يشكل قناعة لديك في حينه، فهل تراجعت عن ذلك الآن؟... وما الحكم الشرعي لوجود موقف للمسلم يكتشف أنه خاطئ ويغيره لاحقا؟
- لم أسمع الشريط ولا أعرف ما به... ما أسمعه... أنا مسلم ولا أنكر ما قلته... أنا لا أكذب... وإن كنت قلت فسوف أقول... وما أقوله يجب أن أكون مقتنعا به... إنما يمكن أن يكون أحدهم أبلغني حاجة غلط زي الخبر اللي أنا قرأته... أو يكون واحد نقل لي أن الجنس الثالث دول عملوا مظاهرة وطلعوا يطالبوا بحقوقهم... والمعلومة دي لما تجيني غلط... ويرجع واحد يصححها لي... والله أقول رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي... أنا لست متكبرا عن الحق... لا أقول هذا... لا... ولو غلطت فإن أهل العلم يصلحون لي... وأقول غلطت... الحمد لله... غلطت في معلومة قولوا... لا ما حصلش... والله ما اني غلطان... وفي آخر بياني قلت أعتذر للشعب الكويتي إن كنت أسأت لأميرهم... يا أخي واحد كفر يا أخي... كفر ارتد عن الإسلام... يا أخي طلحة بن عبيد الله والا الناس اللي كفرت وارتدت عن الدين... ما رجعوا بعد كده وقالوا خلاص وأسلمنا تاني... إيه... نقول لهم لأ؟!... مش فاهم إيه يعني... لا يوجد دين يقول هكذا... إذا كان الله بيقبل التوبة... يبقى دول عايزين إيه؟!... دول قلوبهم سوداء... مسكوا حاجة ومش عايزين يتزحزحوا... غلطت ما غلطّش؟... لأ... وعلى شان كده أنا بقول لهم... الله يقول في سورة فاطر: استكبارا في الأرض ومكر السييء ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله... إيه معنى واحد يريد منع داعية من دخول بلد مسلم؟... أنا لا أعرف هؤلاء ولم أرهم من قبل... طيب أنا بصلي بمسجد مع واحد منهم حيقول لي إيه... اقترب وتراص... وقدم بقدم؟... طب قدم بقدم بينما النفوس متنافرة؟! سلف إيه... هما السلف كده... والا السلف قلوبهم طاهرة... طيبة... نظيفة... حلوة... لما يعرف ان أخوه المسلم لا يظلمه... بل يستره... فالمسلم أخ المسلم يعينه ولا يظلمه... من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة... افرض يا أخي اني أنا غلطت... افرض... راجعني... أنا قلت إيه... يأ أصر على كلامي... أو أقول أنا وصلتني معلومة غلط... ثم بعد ذلك خذ موقف... إنما أنت تقول... أنا معاي الشريط... الشريط... الشريط... طب الشريط فيه إيه؟!! واجهني بيه... يا أخي القاعدة العامة تقول... من نصح أخاه على الملأ فضحه... أنت أخذت الشريط من برّه برّه على طول... طب اسألني زي الأسئلة دي... انت بعد الكلام اللي سمعته جزاك الله خيرا حتسمع وتحكم... وأنا أقول الكلام صوتا مسجلا تسجيلا لك... جزاك الله كل خير.
- كيف تصف تاريخ علاقتك مع دولة الكويت والتيارات الإسلامية فيها... هل هناك ما يستفاد منه كموعظة في هذا الجانب وبغض النظر عن موقفك إذا كان سلبيا أبان الغزو العراقي؟
- لا والله ليس لي مواقف سلبية إطلاقا... كل مواقفي بفضل الله... لأني أدعو إلى الله على نهج السلف الصالح... مش زي السلف اللي بيقولوا إنهم سلف دول... السلف الحقيقي... السلف الصالح... الشيخ حسن البنا يقول: دعوتنا دعوة سلفية، هي دي الدعوة السلفية الحقيقية، وطريقة سنية وحقيقة صوفية وشركة اقتصادية وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وهيئة سياسية، شمل بها الإسلام كاملا... ومن فضل الله أنه ليس لي مواقف ضد الكويت ولا ضد الشعب الكويتي الحبيب، الشقيق، ولما رحت الكويت، سمعت الأخ يرحب بي: مرحبا بك في بلدك الثاني الكويت قلت بل بلدي الأول الكويت، ناس مسلمون ولله الحمد، ملتزمون بدينهم، ومن فضل الله هناك أشياء كثيرة لم أجدها إلا في الكويت ومنها موضوع الانترنت، الفلترة الموجودة... ما شاء الله... أي فندق في الكويت خش مش حتلاقي خمرة... ما شاء الله... طيب أكره الشعب ده ليه؟... هو الدين بيقول كده؟!..
- هل اقتربت خلال الفترة التالية لتلك المرحلة لمعرفة جوانب من شخصية الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد يرحمه الله... وما النصيحة التي تقدمونها كداعية إسلامي للحكام العرب عموما؟
- والله لم أعرف شخصيا... هم يقولون انني تعرضت له شخصيا يرحمه الله... وأنا أسمع بس يا ربي قلت إيه... يمكن أنا مش واخذ بالي... يمكن محدش كلمني... الله أعلم... أنا أدعو الله أن يكشف ستر كل إنسان عايز يكشف ستر غيره... أنا حفترض أني قلت شيئا عن الأمير رحمة الله عليه حفترض يعني... لكن مش فاكر... الله سبحانه وتعالى راجع نبيه عليه السلام..(عبس وتولّى أن جاءه الأعمى)... ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحلّ الله لك) ... عفى الله عنك لم أذنت لهم... وهذا للرسول صلى الله عليه وسلم... أشهد الله أني لم أعرف ماذا قلت إنما أنا أجيب غيبا... لكن عن شخصيته لا أعلم شيئا رحمة الله عليه... إنما النصيحة التي أقدمها كداعية إسلامي هي أن يحكموا بما أنزل الله تبارك وتعالى ويطبقوا شرع الله عز وجل لأن الله سيحاسبهم..
- كيف تصف الجهود التي بذلت من جانب الكويت في مسألة الوسطية وقيام نشاط رئيسي لها للجواب على الحالة الغربية المتشنجة تجاه المسلمين عموما وما أنفع سبيل لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام بتقديركم؟
- شيء طيب وجميل... وإن كان هناك بعض التحفظات بألا نكون منفتحين باسم الوسطية منفتحين زيادة عن اللزوم... وليست الوسطية فقط يا أخي الكريم... بل الكويت مشهورة طبعا من فضل الله أنها بلد العطاء... ومساعدات... وربنا يتقبل منكم يا رب.
- ما هو ردك على ما جاء في بيان التجمع السلفي من تفسير لبيانك الذي أصدرته منذ أيام توضيحا لبعض مواقفك... وتحديدا بالنسبة للأمير الراحل؟
- ردي أن دول عايزين يتعلموا الأدب الإسلامي... حقيقة... النبي عليه السلام يقول في الحديث الصحيح كبر كبر... يعني عيب لما يتكلموا عن واحد في سن أبوهم... أنا ابن 56 سنة والا سن أخوهم الكبير... أنا مش صغيّر... لما يتكلموا عني بهذا الإسفاف ويصفوني بالغباء والغرور... فهل هناك أخ مؤدب يتكلم عن أخوه الأكبر منه بهذا... أنا زي ما قلت لك طالع المنبر سنة 71 يعني يمكن كانوا يلعبوا إذا كانوا جم يعني!... مفروض يتأدبوا بأدب الإسلام... وأقول لهم: من علّمك أن تقصر ثوبك وتربي ذقنك... وهذا من شعائر الإسلام... ألم يعلّمك الأدب الإسلامي... وازاي تتكلم مع واحد أكبر منك... وحتى لو أخطأ وأنا لم أخطئ والبيانات موجودة أهي... ألم تتعلم كيف تراجعه وتسأله... هل هناك مسلم يقول لأخيه المسلم الداعية أنه مغرور وغبي... هم يأخذون الدين من ظاهره... هم غير متأدبين بأدب الإسلام... إيه الموضوع؟... مش ححلق دقني... خلاص يعني... أسيبها... فاكر إن الإسلام عبارة عن لحية، وثوب قصير ودي من شعائر الإسلام، لكن دي مش كل الإسلام، يعني أنا أنصحهم... كان مفروض يربوا أنفسهم على الإسلام قبل أن يربوا دقونهم!... ربي نفسك الأول وبعد كده ربي ذقنك...
- كيف تنظر كداعية للعامل الأخلاقي في حياة الشعوب العربية والإسلامية وبغض النظر عن المسألة الوطنية... أي ما هو السبيل الأقرب للتخلص من السلبيات الأخلاقية التي تجتاح الدول العربية حاليا؟
- الله عز وجل لما مدح النبي عليه السلام في سورة القلم قال له وإنك لعلى خلق عظيم، والنبي عليه السلام قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه... الأخلاق... وهو عليه السلام يقول... إن من أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا... ونحن نريد أن نتعلم الأخلاق وليس المظهر باللحية واللبس القصير فقط... الشكل حلو أهو... ناس ما صدقوا أنهم وجدوا شريطا ومن ستتاااشر سنة!... وغرور وغباء فهل هذا خلق إسلامي؟... الأخلاق... الأخلااااق... وهي ثلاثة... شكلك... كلامك... وفعلك... والإسلام مثل شجرة... جذرها التوحيد والثمرة الخلق... ولما يقول لك أحدهم أنه سلفي... ويقصر ثوبه ويقصر ثوبه... ثم يمنع داعية مسلم من دخول بلده... كيف هذا... نحن قد نختلف... لكن دعوة ربنا فوق... أذكر تاني... أنا وجدي غنيم المسلم مش جرجس... أنا من 36 سنة أسأل الله أن يثبتني على الحق، ولأول مرة أسمع هذا الكلام... وممن... من سلف؟ حسبي الله ونعم الوكيل.
- ما هو ردك الإجمالي على الحملة السلفية ضدك؟ هل ترجع ذلك لأسباب حزبية باعتبار أنك من التيار الإخواني أو أنك أقرب لهذا التيار من التيارات الأخرى؟
- دول مش سلف... بل يسؤون إلى السلف... فهل السلف الصالح هكذا... وذكرت آيات لن أكررها... السلف الحقيقي يحاسب ويواجه دون إصدار حكم دون دليل... أنا أشك في نوايا هؤلاء فهي خبيثة وقلوبهم مش صافية... مش حنكر أنا من الاخوان المسلمين وتربينا على القلوب الصافية... ولن أقطع بالسلفية فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: لا تعرف الحق بالرجال ولكن اعرف الحق تعرف الرجال، دول لا يمثلوا السلف الصالح عشان يجي واحد ويشتم السلف الصالح لا سمح الله... هؤلاء أساؤوا للسلفية... هذه نفوس حاقدة والعياذ بالله... وناس مش فاهمين دينهم... وينظفوا نفسهم الأول وبعدين نتفاهم...
- هل لديك أي شعور بأن الكويت، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، تتضمن، أو تحتوي على جوانب سلبية إضافية عما هو قائم عموما في البلدان الأخرى على المستويين العربي والإسلامي؟
- ولماذا الكويت بالذات؟... دايما دول الخليج طيبة... ناس طيبين جدا وفيهم الفطرة... ومش عاوز اتكلم حتى لا يقال أني انافق... ودورنا كدعاة هو تقديم النصح... ونبيل العوضي جزاه الله كل خير كاتب مقالة جميلة... يعني تمنعوا الدعاة وتسيبوا المطربين؟... ربنا يعافينا يا رب!..
- هل تحتفظ بصداقات مع أشخاص من الكويت؟
- نعم نعم... طبعا طبعا طبعا... في أخوة من الكويت والله من أعز أعز الناس إلى قلبي... وأناس كثيرون وغير قلة والحمد لله ودائما على تواصل معهم ودعوات مستمرة... ومن هو وجدي... كلنا سنموت... يوم تبلى السرائر... في الآخرة حيبان كل شيء... واللي الآن عامل نفسه بيدافع عن أمير الكويت... كل هذا حيبان يوم القيامة... يوم تبلى السرائر... ساعتها سآخذ حقي... لأن الأمور ستنكشف وتظهر على حقيقتها... وللعلم كثير من السلفية اتصلوا بي وقالوا يا أخ وجدي لا تزعل وهؤلاء معروفون... وأنا أشكرهم... وحسبي الله ونعم الوكيل
--------------------------------------------------
نقلا عن جريدة الرأي الكويتية
أجرى الحوار يوسف علاونة

Sunday, November 4, 2007

جريح .. وطموح

الأستاذ : محمد أحمد الراشد

حرارة الإيمان تـــُذيب لـِحــام الطوق

هذا هو حال أهل السُنّة في العراق بعد تشكيل وزارة المالكي ، بل خلال أيام الاحتلال كلها ، فهم في الوسط يجاهدون الاستعمار الأميركي ، فيرد عليهم بقسوة ووحشية ، بل يتسلى جنوده أحياناً بقتل بعض العوائل واغتصاب حُرّة مثل عَبير .. ثم يردون على ميليشيات الأحزاب الشيعية وجيش المهدي الصدري ، ويدفعون هجمات مغاوير الشرطة الموالية للأحزاب الشيعية ، وأحياناً بعض الجيش المنحاز لها .. وفي الوقت نفسه يواجهون المخابرات الإيرانية الناشطة في الأرض العراقية ، ووصل بها الأمر إلى حد إقامة مفارز تفتيش في الحصوة والاسكندرية ، والتسلل من إيران والوصول إلى مشارف بغداد والمشاركة في الهجوم على الأعظمية ومحاولة احتلال جامع أبي حنيفة ، والحرس الثوري الإيراني له حضور قوي الآن في أماكن كثيرة .. والأكراد من بعد هذا في كركـوك وعلى مـشـارف الموصل تحركهم مـصـالحـهم لمنـاوشات من نــوع آخر ، ويـبدون بَطَراً واضمـحل فيـهم العِرق السُني ، ثم القاعدة يزيدون الطين بلّة ، وكان خطاب بن لادن لهم في أول تموز يتضمن أوامر بقتل قادة الحزب الإسلامي العراقي ، وذهَب بعيداً في التأول واعتناق الفكر الخوارجي القديم بحذافيره كاملاً غير منقوص ، فلم يُقصّر أتباعهُ في العراق ، وبطشوا ببعض رؤوس أهل السُنة الميامين ، وسقط البطل المؤمن الألمعي المهندس ليث اسماعيل الراوي شهيداً مضرجاً بدمائه الزكية برصاص بن لادن في مدينة حديثة ، حيث كان رئيس فرع الحزب الإسلامي فيها ، وتلاه بعد أيام الهُمام النجيب الطبيب نزار سامي الكبيسي في حديثة أيضاً ، ولو فتحنا باب تسجيل الحوادث الجزئية والأسماء لطال الشرح جداً ، لكثرتها ، والشيء الصغير إذا انضم إلى صغائر عديدة يغدو كبيراً ، والمحنة لذلك تصنف في قسم المحن العظيمة الوطأة، وهي في لغة الفقهاء تسمى النوازل الكبرى ، وقد بلغت القلوب الحناجر ، والأمر غريب جداً لم تر بلدان العالم الإسلامي في العصر الحديث مثله ، وبخاصة في امتداده الزمني الذي تجاوز ثلاث سنوات ، سبقتها سنوات حرجة أخرى أيام الحصار الأميركي للعراق ، بينما المحن في عامة البلاد تجثم سنة أو أقل .

ولكنّ كل شدّة يعقبها فَرَج ولابد ، وهي ظاهرة من ظواهر الحياة ، ومن السنن الكونية ، وقد رأى داعية مخضرم من أهل السابقة رؤيا يظنها صادقة : أنّ تِلالاً سوداً مثل الجبال تتحرك ، فيعمّ الظلام ، ثم ينبثق من الجانب نور مفاجئ ، فينكشف الظلام ، وهو يفسرها تفسير خير ، وأن الله تعالى يأذن بانقشاع الفتنة .

لَــــــمْــــــلُــــــــوم الــــوُجُــــــوم

وجيش المهدي الذي يقود هذه الفتنة في هذه المرحلة بقيادة مقتدى الصدر ما هو بجيش ولا تنظيم موحد ، بل قوامه تجميع الصدر لعصابات إجرامية في مختلف المناطق الشيعية ، وبما معه من مال إيراني ، بل وسعودي وكويتي وضعوه في يده اتقاء شرّه فيما يظنون : استـطاع أن يسيرهم ويـأمرهم ، وقـصـة أبـو درع في مديـنـة الـثورة مثـال لذلك ، وعبر هذه العصابات المجتمعة صار يبطش بأهل السُنة ، وبها أحدث المجزرة التي أعقبت هدمه لقُبّة علي الهادي في سامراء ، وبها احتل المدائن ومسجد سلمان الفارسي ، ثم معارك الأعظمية والمحمودية ، وهجوم الشعلة على الغزالية ، وأحداث حي الجهاد ، فلما أحسّ الصدر ببعض النشوة بدأ يناطح بعض الزعامات الشيعية الأخرى وركبه بعض الغرور الطفولي ، فبدؤوا يتضايقون منه ، وبخاصة حين رأوا بوادر تفضيل إيراني له عليهم ، مما يشكل بالنسبة لأهل السُنة سبب انفراج ربما ، فقد كان يسعه التدرج والميل إلى بعض التؤدة ، لكنه ابعد ما يكون عن التعقل والتخطيط ، فصار تأثيره مُرشحاً للتقلص .

عِزُّ النــــفس ... يـــغلب وســـواس الرَّسِّ

ومما لا شك فيه أن ردود الفعل السُنية كان لها أكبر الأثر في إعادة حسابات جيش المهدي ، فإن الجيش هَجَم فجأة ، واستثمر عنصر المباغتة ، فاضطرب صَفّ أهل السُنة ، ولكنّ أهل السُنة لهم أصالة وشجاعة وخبرة قتالية من خلال الجهاد ، فسرعان ما امتصوا زخم الهجوم ، وأوقفوه ، واستعملوا عناصر التفوق المعنوي الذي يملكونه ، والخبرة ، فدافعوا فيما بعد دفاعاً ضارياً ، فتبدل الميزان ، وحصل إثخان في جيش المهدي حَمل الصدر على إعادة دراسة الموقف ، ومال إلى المهادنة والتلطف ، وضغط الجيش الأميركي عليه أكثر ، فبدأ حملة لاعتقال قيادات جيش المهدي والاستيلاء على أسلحته ، ليس إحقاقاً للحق والعدل ، ولكن لأنه وجد الصدر يستجيب لتعليمات إيرانية بتحريك جيش المهدي ضد الجيش الأميركي تنفيساً عن حالة التضييق الأميركي على خُطة التسلح النووي الإيراني .

والحقيقة أن بروز جيش المهدي وحزب الفضيلة في هذا الموسم كقوة أولى لا يعني أبداً هبوط مستوى مشاركات حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة ، بل هما حاضران على طول المدى وكأعنف ما يكون الحضور ، ولكن التهمة لا تتوجه لهما مباشرة لأن الميليشيات التابعة لحزب الدعوة وفيلق بدر التابع للمجلس أصبحا يمارسان الإرهاب بملابس مغاوير وزارة الداخلية وقوات حفظ النظام ، بل وبعض وحدات الجيش ، فتشير البيانات الإعلامية إلى المغاوير وهذه القوات ولا تورد اسم الحزبين ، لتطورهما إلى حيازة صفة رسمية جعلت البلوى مضاعفة ، والعياذ بالله .

كما أن الأوساط الشيعية تشهد تسخيراً وتوظيفاً لبعض القضايا الظنية في العقيدة المهدوية في مجال السياسة والأمن ، فقد أظهرت بعض الفضائيات الشيعية متحدثاً يزعم أن الإمام المهدي المنتظر زاره في بيته هذه الأيام ، وخطبَ اختَهُ ، وزوّجه، وتلك إشارة واضحة إلى احـتمال المـغامرة بادعاء ظهوره واستئصال أعداء آل البيت ، وستطيع جماهير الغوغاء من يزعم ذلك وتكون مذابح ، وإلى أن يَثبت بفتاوى الحوزة أنه ليس المهدي تكون خطة الإبادة قد استوفت غرضها وحصل شيء عظيم .

ومن ذلك ، وفي هذا السياق : تترشح أخبار خاصة عن مجموعة شيعية تتوسع في محافظة الحلة تسعى جاهدة في إشاعة الفساد الأخلاقي والزنا وعموم المنكرات الكبرى ، توفيراً لظرف ظهور المهدي فيما يظنون ، لأن ظهوره يكون لقمع الفساد العظيم ، فهم يفسدون من أجل إغراء المهدي بالظهور، وواضح أن هذا النمط متصل بحالة التوتير الأمني ، وهو تسخير للعقيدة في مجال السياسة بشكل مفتعل ، لأن ذاك الفساد في أصل العقيدة الشيعية هو أمر قَدَري وحقيقي وليس بمفتعل مصطنع .

التـــــمـــــادي في افــتــــعال مشكـــــــلة الهادي

ولو أضفنا إلى ذلك تهديد مقتدى الصدر بتسيير مظاهرة مليونية لإعادة بناء قبة علي الهادي وحراسة مرقده ومرقد الحسن العسكري والد المهدي : لاتضحت أبعاد أخرى تحوي خُطة كاملة لاحتلال مدينة سامراء وتشييعها بالقوة وقتل بعض أهلها وتهجير البقية ، وتلك خطة قديمة لم تنجح ، وحدوثها اليوم يعني حصول نكبة كبرى بأهل السُـنة وتضاعف التوتـّر ، وذلك ما تحرص عليه إيران الآن ، ولذلك منع الجيش الأميركي مقتدى الصدر من تسيير هذه المظاهرة العدوانية ، ولكن قد يلين ولا يستمر المنع إذا رأى الضباط الموالون للصهاينة ضرورة دفع العراق إلى مزيد توتر وتخريب .

ومحنة البصرة ومحافظات الجنوب عامل آخر في تعقيد الحالة ، فإن جيش المهدي في مدينة العمارة وعموم محافظة ميسان قد أنذر أهل السُنة منذ مدة بالرحيل والهجرة الإجبارية، فكادت تفرغ بعد حصول قتول فيهم ، وكذلك في محافظة المثنى ، ولكن النكبة الأشد حصلت في البصرة ، حيث القـتل المتواصل والعـدوان ، وانخفضت نسبة أهل السنة فيها من ما يقارب الأربعين بالمائة قبل سنة ، إلى حدود العشرة بالمائة فقط، وهاجروا إلى الموصل وأماكن الوسط نجاة بأعراضهم وأرواحهم ، وتركوا أموالهم ودورهم وبساتينهم العامرة ، والخَطب عظيم فادح لا يوازيه غير ما حصل في ثورة الزنج في الزمن العباسي حين احتلوا البصرة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وفي ثنايا كتاب أجوبة المسائل الخُراسانية المطبوع ببيروت قبل عشرين سنة يقول مؤلفه مفتي شيعة البحرين حسين العصفور في أحد أجوبته : إن مال السُني ودمَه حلال عند قدرة الشيعي على أخذه أو القتل ، وذلك في كل وقت ، وأما عرض السُني فحلال ، ولكن على الشيعي أن يمتنع عن هتكه قبل ظهور المهدي ، لأن الأيام متداولة ، ويخاف أن يعود أهل السُنة إلى قوة فيهتكون عرض الشيعة انتقاماً ، وأما بعد ظهور المهدي فلا حرج ، لأن التمكين للشيعة سيستمر إلى قيام الساعة ، ومثل هذه الفتوى شائعة ، وهي التي تـُجفل أهل السُنة ، وبسببها تكون الحملة الإعلامية الحالية لظهور المهدي خطرة جداً ، وتعني الدخول في نفق مظلم عاتم لا يعلم إلا الله إن كانت له نهاية .

بغداد ســـــتــــر سـُــــف في الأصــــفـــــاد

والذي يزيد الأمر فظاعة أن بغداد العتيدة ، رمز الحضارة الإسلامية وبلد الرشيد ومنارة المجد التليد أصبحت في حُـكم الساقطة في الحضن الشيعي ، وستكون خلال الحقبة القادمة مدينة شيعية ورمزاً لانبعاث التشيع العالمي ، وذلك لأن الدستور العراقي الجديد المحشور بالسوء جعل مدينة بغداد في حدودها البلدية فيدرالية مركزية خاصة ، وكانت قبل نصف قرن مدينة ذات أغلبية سُنية وأقلية شيعية ، ثم خدم عبد الكريم قاسم الخطة الشيعية الطويلة المدى فقام بجلب مئات ألوف الشيعة من المحافظات الجنوبية إلى بغداد خدمة للخطة الشيعية ، وبنى لهم مدينتي الثورة المعروفة الآن بمدينة الصدر ، والشعلة ، ثم ازدادت الهجرة الشيعية حين ركب الشيعة موجة حزب البعث وانتموا إليه في آخر الستينات وخلال السبعينات ، وتناسلوا كثيراً ، وبتسهيلات مالية من الأوساط الحوزوية لكل فرد يرضى بزيادة النسل ، حتى صاروا نصف أهل بغداد الآن ، ولكن القتل الذريع بأهل السُنة من قبل جيش المهدي وفيلق بدر وميليشيا حزب الدعوة ارهب وأرعب ، وحصلت هجرة سُنية واسعة من بغداد إلى المحافظات السُنية وإلى سوريا والأردن ومصر والخليج ، فرجح الوجود الشيعي فيها ، وتعزز بتهجير مكثف حصل خلال السنة الأخيرة للشيعة من الجنوب إلى داخل بغداد، وتصرف أموال لهم الآن للبناء والتملّك ، وتخدمهم في ذلك وزارة الإسكان وكل دوائر الدولة ، وزادت نسبة الشيعة أكثر بسبب تمركز الجيش والشرطة في بغداد ، والجنود معظمهم شيعة ، وبذلك لو حصلت انتخابات للتصويت حول فدرالية بغداد المركزية الآن فستكون أكثرية التصويت شيعية ، وبغداد ساقطة لا محالة .

ليس هذا فقط ، بل الحزام الذي حول بغداد ، المتشكل من مدن اليوسفية والمحمودية والاسكندرية ، ومدينة المدائن التي فيها إيوان كسرى ، والطارمية ، والعديد من القرى الكبيرة ، مثل النهروان والراشدية والتاجي ، وقرى ذراع دجلة ، وغيرها التي تشكل محافظة بغداد : كُلها سُنية خالصة ، أو ذات أكثرية سُنية وأقلية شيعية ، ولذلك حصلت المهاجمات الشيعية لها ، من مغاوير الشرطة وجيش المهدي ، من أجل تهجير أهلها وجعلها شيعية كذلك ، وارتكبت مجازر وقتول بشعة في جميعها ، وبمباركة أميركية فيما يبدو ، لوجود المقاومة الجهادية في جميع هذا الحزام .

حربٌ تــــســـــتـــــعـــِــر ... واُمةٌ تـــَنـــتــــظِــــــر

كل هذا ولسان الإعلام العالمي يتحدث عن احتمالات الحرب الأهلية والاقتراب منها ، بل الحرب الأهلية حاصلة بكل معانيها ، وتقودها قوات وزارة الداخلية التي كانت من قبل ميليشيات للأحزاب الشيعية ، وتعاضدها المخابرات الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني ، والجيش العراقي محايد أو تنحاز بعض وحداته للشيعة ، والجيش الأميركي شبه محايد ، ويشترك في ضرب المناطق السُنية أحياناً بحجة وجود المقاومة ، واعتقل بعض جنود جيش المهدي فقط ، لتحرشهم به بطلب إيراني ، والقتل على الهوية يستشري ، وبعض مفارز ونقاط التفتيش التابعة للداخلية ربما تقتل على الهوية ، وتقوم بإنزال بعض الشباب السُني البريء من السيارات ويسلمونهم إلى أتباع الميليشيات التي تتمركز على بعد أمتار منهم ، ليقتلوهم ، مما جعل بعض ردود الفعل السُنية تظهر أيضاً بالمقابل ويكون قتل بعض الشيعة القلائل على الهوية ، وحصل وصف الفتنة بالمقياس الشرعي الإيماني ، ووصف الحرب الأهلية في الاصطلاح السياسي ، والفتن عمياء ، لا تـُبقي ولا تذر ، مع قلة الخدمات وانقطاع الكهرباء ، واستيلاء الشيعة وجيش المهدي على جميع المستشفيات تقريباً ، وحصول حرمان لأهل السُنة من الخدمة الطبية ، في أشكال أخرى من صعوبة الحياة ، ومنع التجول ، ولجوء أهل السُنة إلى بيوتهم قبل المغرب ، إذ التجول وصخب الحياة يستمر في المناطق الشيعية إلى ما بعد منتصف الليل ، وأسواقهم عامرة ، إذ تجارات أهل السنة بائرة ، وأسواقهم مغلقة ، أو لا تُـفتح إلا لسويعات قليلة .

والعجيب مع كل هذه الشدة أن البلاد العربية كلها بلا استثناء لا ترفع صوتاً باستنكار ، ولا تعاون أهل السُنة إلا قليلاً ، وبما لا يوازي واحداً بالمائة من الإسناد الإيراني للشيعة، وتركيا المغفّلة لا يعنيها الأمر فيما يبدو ، وكل العالم الإسلامي ، وكل العالم ، لتكون محنة غريبة من نوعها ، وبلغت القلوب الحناجر وما من مغيث ولا ناصر ولا من يبعث بسلاح أو مال يكافئ الحاجة ، والمخاطر تقترب من الكويت وآل سعود وأمثالهم وهم سلبيون ، وما من تفسير إلا أنه قَدَر رباني ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وليس يحل المشكلة العراقية الآن غير الله تعالى ، بمعجزة فقط .

ربما هي معجزة مثيلة لما حصل لأهل بغداد والعراق في زمن خربندة بن هولاكو ووزيره ابن المطهر الحلي الشيعي الذي يرد ذكره في كتابات ابن تيمية ، وخصوصاً في منهاج السُنة النبوية ، فإن هذا الوزير أغرى خربندة بالتشيع لما أسلم ، فتشيّع ، وأمر بإظهار التشيّع في ديار العراق وأصفهان وشيراز ، فحمل أهل السُنة ببغداد سلاحهم وأتو صلاة الجمعة وهم أكثر من اثني عشر ألفاً من المسلحين ومنعوا الخطيب أن يُغير الخطبة السُنية ، وكذلك فعل أهل أصفهان وشيراز ، فثار غضب ابن هولاكو وأمر بإلقاء خطيب شيراز إلى كلاب وحشية قاتلة لتأكله ، فجعلت تتمسح به ، وحرّكت أذنابها أمامه ، وسالمته ، فكانت معجزة أذعن لها خربندة وتاب وأمر برفع المحنة والبقاء على مذهب أهل السُنة ، والخبر مشهور في كتب التاريخ .

ولعلنا ننتظر اليوم معجزة يتوب معها الآثم والواهم .

النوايا الـمُباركَة ... لرجال الـمُشاركة

وحجم المشكلة جعل الناس تسأل عما إذا كان ما يزال صواباً استمرار مشاركة أهل السُنة في العملية السياسية مع حصول جميع هذه الفوضى الأمنية والآلام والعدوان !!

والرأي الذي يترجح عند أصحاب قرار المشاركة : أن الانسحاب ممكن ، وقد يكون ، ولكنه سيدفع إلى مرحلة أعنف من الحرب الأهلية ، ولذلك يفضلون الصبر الإيجابي الذي فيه الدفاع عن مناطق أهل السُنة ومقاتلة المعتدي وإثبات الجدارة الميدانية ، لأنهم ما دخلوا العملية السياسية ترفاً وبطراً وثقة بالأحزاب الشيعية أو بالأميركان ، أبداً أبدا ، وابن لادن واهم فيما يتهمهم به ، ولكنهم دخلوها لتقليل الشر ، ولتحقيق حضور في الحكومة والجيش يخفف المحنة ، والأحزاب الشيعية تريد انسحاب أهل السُنة وتفرح له ، ليخلو لها الجو في البرلمان والوزارات والأجهزة العسكرية ، ولكن ليس من الصواب تحقيق هذا الانسحاب وإخلاء الساحة الحكومية للشيعة والأكراد ، مهما حصلت أميركا على منفعة إعلامية من هذه المشاركة ، وفي الوقت نفسه نتسلح ونتمول ولا نهاجر ونلقن المهاجمين من جيش المهدي الدروس المريرة ونكبدهم الخسائر ، وجنود القاعدة يليق لهم أن يفهموا هذا المغزى وأن يثقوا بمن غامر واشترك في العملية السياسية وداس على أعصابه وركب الصعوبات من أجل إنقاذ أهل السُنة والدفاع عنهم قانونياً وحكومياً مثل دفاعه عنهم بالقتال والمصاولة ، وينبغي أن تتجمد الاتهامات ، وتـتوقف الاغتيالات ، ويتحد أهل السُنة جميعاً ، السياسي منهم والمقاتل ، والحزبي والعشائري ، من أجل كسر حدة الهجمة الشعوبية والغزو الصفوي الإيراني الذي هو أخطر من الاحتلال الأميركي ، لإمكان رحيل الاحتلال إذا ضغطنا عليه وقاومناه ، وبقاء السوء الصفوي ، لطبيعة المجاورة وخدمة البيئة له وامتداد الجذور.

وحين حصل قرار المشاركة السياسية كانت المفاوضات مع أحزاب الائـتـلاف الشيـعي قد تـوصـلت إلى إقـرار مبدأ إعادة التوازن المذهبي إلى الوزارات والقوات المسلحة وجميع مظاهر النشاط الحكومي ، مثل الجامعات والبعثات ، وبموجب ذلك حصل إغراء لإمضاء الاتفاق ، ولكن الطبيعة الشيعية المتأصلة جعلت رئيس الوزراء المالكي يميل إلى المناورة والإبطاء في تفعيل مقترحات التوازن في الوظائف والمال والفرص ، ومع ذلك فإنّ إعادة دراسة الموقف تنتهي إلى التريث ، وجعل الانسحاب آخر شيء نفكر به ، لما في بقائنا من تقليل الشر كما قلنا ، ولأن ما بعد الانسحاب يعني وقوع الدولة مائة بالمائة تحت السيطرة الشيعية الإيرانية ، ويبقى خيار الانسحاب قائماً برغم ذلك إذا اضطررنا إليه .

ومما يجعلنا نعتز بأنفسنا أكثر ، ونفهم أن القضية تتمثل في محنة يريدها الله لحكمة : أننا على وسطية وعقيدة معها دلائل صحتها ، فنحن نحترم علياً t ، ونجعله أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين ، ونحب الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ونـُبجّل فاطمة رضي الله عنها ، بينما الطرف الآخر يتنكر لكل الصحابة غير ستة يزعم أنهم تشيعوا لعلي .. وكذلك أمر الفكر الخوارجي الجديد الذي تعتنقه القاعدة ، يحمل على التكفير وقتل الناس بأهون الأسباب ، ونحن على محبة الناس ، وندافع عنهم ، ولا نـُـكفّر أحداً من أهل القبلة ، حتى الشيعي الذي يضربنا بالهاونات والصواريخ والرصاص ويقتلنا ويُمثل بجثثنا : نعتقد أنه مسلم ظالم ، ونكل أمره إلى الله ، فنحن مع العفاف والأخلاق ، وعلى وسطية بين أنواع التطرف ، وفي ذلك ما يجعلنا نتمسك بالذي نحن عليه وأننا الأعز ، والأسلم صدوراً وعقولاً ، وغيرنا مبتدع .

التـــــــَّـــمَــــيُّــــع .. يَـــطرأ على خُطة التــــــَّـشيّــــع

وبمثل هذه الأحاسيس نستقبل أخباراً فيها بداية تراجع شيعي ، ونظن أنها بداية لأمرٍ أكبر ربما ، وتأذن لنا أن نعيد الحسابات بشيء من التفاؤل أن زخم التصعيد الشيعي وصل ذروته وبدأ ينخفض ، ووصل الأمر إلى أن يطلب المالكي من الحزب الإسلامي التدخل لتهدئة الأوضاع المتوترة ، وأنه من جانبه يضمن هدوء الجانب الشيعي ، وهذا عرض غريب بعدما ظن الشيعة أن حملتهم ماضية لا يوقفها شيء ، والمظنون أن عدة أسباب وعظتهم بذلك :

منها : مفاد قول الله تعالى : إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ ، ومن خلال دفاع أهل السُنة عن أنفسهم وديارهم : حصل إثخان في الشيعة ، وقدموا ضحايا كثيرة ، ورُدوا على أعقابهم في حي الجهاد وحي الغزالية مع تلفيات ، وأحاطت بهم هزائم ، وكانت وقفة شباب أهل السُنة مجيدة رائعة بطولية ، وقد أيقنت القيادات الشيعية أن التفوق الذي يريدونه له ثمن باهظ ، مما حملهم على إعادة دراسة الموقف .

ومنها : أنهم بدؤوا يشعرون أن إيران تدفعهم لمعركة صعبة ، وأنها ليست في مصلحتهم ، بل لإيران مصالح خاصة تنفذها على حساب الشيعة العراقيين ، ومقياسها في ذلك مقياس فارسي فقط ، وان خطة الاستيلاء الهادئ الطويل الأنفاس أولى لشيعة العراق من الأعمال الهجومية الإرهابية ، وزادت قناعة القيادات الشيعية بذلك حين حدث هجوم حزب الله اللبناني على إسرائيل ، فإن إيران دفعته لذلك من أجل تخفيف الضغط الأميركي على مساعيها النووية ، وجعلت حزب الله يدخل معركة أكبر من حجمه الحقيقي ، من غير مراعاة لخصوصيات الساحة اللبنانية ، فكأنها تدفع الأحزاب الشيعية العراقية لمعركة تحقق فيها مصالحها الإيرانية من غير مراعاة خصوصيات الساحة العراقية ، فبدأ يحصل شبه رفض للإملاء الإيراني وتحرر من الوصاية الإيرانية على العمل الشيعي العراقي ، ولولا أن الحوزة شديدة الطاعة لإيران لتحول الأمر إلى بداية انعتاق من العبودية التامة لإيران.

وشعر الشيعة أيضاً أن إيران ورطت جيش المهدي بالتحرش بالجيش الأميركي ، لتخفيف ضغوط أميركا عليها في مسألة المفاعل النووي ، فبدأت القوات الأميركية تداهم مقرات جيش المهدي وتعتقل بعض مقاتليه وتجمع سلاحهم ، مما جعل قدرة الشيعة على استمرار المناورة أقل ، وحرمهم من ميزات تعاونهم السابق على مدى سنوات ثلاث مع الجيش الأميركي وسلطة الاحتلال ، ويخافون الآن من خسرانهم مصدراً ثرياً من مصادر الإمداد والترجيح .

وأيضاً : فإن الأحزاب الشيعية بدأت تتضايق جداً من تصاعد نفوذ الصدر وجيش المهدي في الأوساط الشيعية على حسابهم ، وبدؤوا يفقدون سيطرتهم على الموالين لهم ويتحول الولاء إلى الصدر ، بل بدأ الصدر يضايقهم باُسلوب صريح ، وجنود جيش المهدي قُساة عُتاة لا يحترمون أحداً ، فهو يسلطهم على منافسيه من القيادات الشيعية بنفس الدرجة ربما التي يسلطهم فيها على أهل السُنة ، ومجموعة مساعديه مثل الدراجي والأعرجي يتـضايقون من الحكيم والجعفري والمالكي ، ومن هنا بدأت هذه القيادات المتضررة تـُفكر بهدنة لئلا يستمر الظرف الاستثنائي الذي أتاح للصدر أن يبسط نفوذه عليهم.

ثم العشائر الشيعية المتضررة من الوضع المتوتر بدأت تضغط أيضا وتطلب من القيادات الشيعية مراعاة أحوالهم ، فهم كأي قُروي يرتبط بأرضه ويتعلق بها قلبياً وورثها عن أبيه وجده لا يروق لهم ذلك ، والعنف الشيعي بدأ يجلب عنفاً سُنياً عند الاستطاعة، ولذلك صاروا يميلون إلى السلم ، وعناصر جيش المهدي أكثرها دخيلة ليست من مناطق التماس، بل من الشروقيين الذين لا تربطهم بهذه الأرض في شريط التماس المار جنوب بغداد روابط وعواطف ، بل بعض هذه العشائر منقسمة مذهبياً ، وللشيعي أبناء عمومة من أهل السُنة ، ليسوا كأهل الأهوار والبطائح الذين هم مادة جيش المهدي .

فهذه الأسباب مجتمعة جعلت الخطة الشيعية تميل إلى تخفيف الوتيرة العنفية ، وبدأت تراعي هبوط السمعة الشيعية في العالم الإسلامي كله بسبب هذا العدوان الوحشي على أهل السُنة ، فالزمن زمن فضائيات لا يخفي سراً ، وتمرغت سمعتهم بالتراب ، وكأن ذلك كان أحد الأسباب لتعويض السمعة من خلال عمليات حزب الله ضد إسرائيل ، مع سبب آخر أرادت إيران من ورائه تخفيف الضغوط الأميركية على مشروعها النووي ، فدفعت حزب الله إلى هذا التصعيد في لبنان ، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك ، وأصبحت الفضائيات لا تتداول أخبار جرائم الأحزاب الشيعية في العراق ، ونسي الناس مأساة أهل السُنة في العراق التي هي أعظم مأساة في العالم الإسلامي بعد قضية فلسطين ، بل وواضح أن عمليات حزب الله جاءت لتحويل الأنظار عن غزة وبطولات منظمة حماس التي استأثرت بإعجاب العالم ، ومَن لا خبرة له بنفسية حزب الله يظن أنه فتح جبهة تخفف عن حماس وغزة ، لكن من يعرف المحركات النفسية الحقيقية يستطيع أن يلمس شيئاً من الحَسَد ، وأن حزب الله ساءه ارتفاع رصيد حماس ، فطفق يسرق الأضواء ويحول البطولة إلى بطولة شيعية وهمية ، وقد كشفت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية ذلك من خلال قولها الصريح بأن ما يجري في لبنان هو آلام المخاض لولادة شرق أوسط جديد ، وهذا تصريح مكشوف لا يحتاج إلى تحليل ومهارة في قراءة معناه الحقيقي الذي يشير إلى أن إيران دفعت حزب الله إلى هذا التوتير بالتنسيق مع أميركا من أجل حصول توتر من خلال عنف إسرائيل في الرد وحصول تخريب في لبنان وبعض قـتول يسيرة في اليهود من أجل تكوين رأي عام لبناني وسوري وعربي يرضى بمعاهدة صلح مع إسرائيل ، ومن أجل إقناع اليهود بجدوى هذا الصُلح ، ثم تجد سوريا نفسها منفردة ، فتُسارع إلى الصُلح وتتخلى عن حماس ، لرفع الحرج ، وبذلك يولد الشرق الأوسط الجديد .

من هنا كانت فتوى الشيخ بن جبرين صحيحة في أصلها الذي يحذر من حزب الله ، مخطئة في امتدادها الذي يقول بتكفير الشيعة وإخراجهم من الملة ، والردود عليه مليئة بالعاطفة ، ولم تلحظ أصل مقصده الصائب ، والعالم الإسلامي كله يشهد قلة وعي في موضوع الشيعة ، ولا يميز درجة البدعة التي هم عليها ، ولا الجرائم التي يرتكبونها في العراق ، وكل ذلك بسبب نفوذ الدعاية الإيرانية ومزاعم التقريب بين المذاهب ، والمشروع الشيعي الصفوي العالمي يتقدم وتـُصرف له أموال إيرانية مليارية في حجمها ، ولا أحد يستوعب ما هنالك ، حتى بعض قادة الحركة الإسلامية في غفلة عن ذلك ، إذ درس العراق ناطق .

وتكفير مبتدع من أهل القبلة خطأ شنيع ، وإثم ، وشكر صنيع المبتدع إذا قاتل الكافر واجب ، ولكنا نتحدث عن تحليل سياسي هو وراء ذلك ، فحزب الله مربوط بإيران ، وقد حرّكته الآن لغايتين : تحويل الأنظار عن تدخلها في العراق وجرائم مخابراتها في قتل أهل السُنة وتهجيرهم ، ثم لتخفيف الضغط الأميركي عليها بسبب الخلاف النووي ، وهناك غاية أخرى أوضحتها رايس تتمثل في تمكين ولادة صلح إسرائيل مع سوريا ولبنان وتحقيق خطة الشرق الأوسط الكبير المنعشة لإسرائيل ، فهي حرب مثيلة لحرب أكتوبر التي حققها السادات وسُميت بحرب التحريك ، أي أنها حق اُريد به باطل، وتاريخ إيران الصفوي يتيح مثل سوء الظن هذا ، وحزب الله يقوم بحرب تحريك جديدة ، وهو يدرب جيش المهدي في العراق لا كما يتوهم مَن يبرؤه .

اختراعُ خَــــــصــــــمْ ... لصحوة الفَــــهــــمْ

وكانت عليـاء الصـلح قد نـبـهـت في مقال في جريدة الحياة اللبنانية في النصف الثاني من السبعينات قبل ثورة الخميني بسنتين : أن الحقبة القادمة ستكون هي حقبة تجديد التشيع وظهوره وتأسيس دولة كبرى له في إيران ، تمتد إلى العراق ، ثم إلى سوريا حيث الحكم النُصيري ، ثم إلى جبل عامل في لبنان ، ويكون لها فرع مثيل في المغرب ، وتنزل من العراق جنوباً إلى البحرين والقطيف والمنطقة الشرقية من الجزيرة .. و علياء لا تلقي القول على عواهنه ، وإنما هي بنت رئيس وزراء لبنان ، وسليلة أكبر عائلة سُنية هناك ، ومُقربة جداً من ملوك آل سعود واُمرائهم ، ومُطَّلعة على ما في دواخل قصورهم ، ثم هي خبيرة سياسية ومستشارة فوق العادة للحكومة الأميركية ، ولفرنسا ، ومُـقيمة بباريس ، وجاءت ثورة الخميني لتصدق أخبارها ، ثم حصلت محاولة تصدير الثورة باتجاه العراق ، ليزداد التصديق ، وتأسس حزب الله في جبل عامل ليشهد لها ، وحصل تحالف إيراني سوري عميق ، ونمت الدعوة الشيعية في المغرب ، وانتعشت في الأحساء والبحرين ، وكل ذلك من دلائل دقة قول علياء في زمن حين قالت فيه قولها كاد حتى دعاة الإسلام أن يتهموها بمبالغة ، ولكنها كانت متأكدة ، ولا تصدر عن خيال ، وإنما عن علم بقرارات أميركية وغربية عُليا تمزج بين التقدير السياسي والفهم الفكري ، ففي الجانب السياسي كان الشاه قد وصل إلى درجة الغرور والغطرسة وأحسّ بالقوة ، وطمع أن يحتل الخليج من أجل نفطه وثروته ، فنهته أميركا ، فلم يتعظ وعاندها ، فسَخـَّرت له الخميني ليقلعه ، ولذلك حين بدأ الخميني ثورته تبنته جميع وسائل الإعلام فوراً ، وغيره يلهث سنوات ليذاع له بيان واحد ولا يستطيع ، وأما الجانب الفكري فيتمثل في تقديرات دوائر المستشرقين أن الصحوة الإسلامية العالمية التي بدأت آنذاك بعد نكسة حزيران مُرشحة لأن تكون قوية جداً ، ولذلك كان من الواجب اختراع خصم إسلامي لها، فكان خيار إظهار التشيع وتمكينه ، على خلفيات تاريخية يعلمها المستشرقون جيداً ، ووقع قادة الصحوة في الفخ الأميركي ، وأيدوا الخمينية وما زالوا ، لأنهم لم يطالعوا كتب التاريخ ، ولم يحيطوا علماً بعلم العقائد والبدع ، ولم يعلموا واقع أهل السُنة في إيران ومعاناتهم الشديدة والمكائد التي تعرض لها الشيخ أحمد مفتي زادة وأمثاله ، والبطل ناصر سبحاني وأصحابه ، ثم هم لا يعرفون خبر العراق وحوادث الدولة العثمانية لما أراد الصفوي ضرب جيوشها من الخلف لما أرادت اختراق أوربا ونجدة الأندلس بالنزول لها من فوقها ، من فرنسا ، وهذه قصص لا يعلمها إلا صاحب وعي وله حظ عظيم .

ومما يحملنا على اعتقاد دقة قول الخبيرة علياء الصلح أنها كتبت ذلك الوقت مقالاً آخر تنبأت فيه بمحاولات لتجزئة دولة الجزيرة العربية إلى ثلاث دول : نجد ، والحجاز ، والمنطقة الشرقية ، وكان ذلك المقال قبل مقال التشيع ، ثم اخبرنا الأستاذ محمد محمود الصواف الذي كان مستشاراً للملك فيصل آل سعود رحمه الله أن الملك أخبره بأن ضابطاً سعودياً مات في حادث سير ، فوجدت الشرطة في جيبه عند محاولة معرفة هويته على مخطط انقلاب وتقسيم للمملكة إلى ثلاث دول ، وعرفوا سبعة عشر ضابطاً مشاركاً في العملية تم إعدامهم فيما بعد ، فعلمنا أن علياء لا تصدر عن خيال .

والذي أثار هذه القصص : خطر الخطة الإيرانية في نشر التشيع في العالم ، وقيام السفارات الإيرانية بدور كبير في هذا ، وسلسلة مؤسسات طبية وتعليمية وإغاثية ، والفقراء في البلاد المستضعفة تجلبهم المصالح إلى هذه المؤسسات ، فيكون إغراؤهم ، وتصرف لهم أموال فيبدلون مذهبهم ، ورأينا ذلك على أشده في إفريقيا ، وجنوب شرق آسيا ، ويبلغنا أنهم يسجلون اختراقات عميقة في المجتمع المصري وبعلم الأزهر ورجاله ، وكاد الفقر أن يكون كُفراً ، وقد تسبب الاحتلال الأميركي للعراق في ارتفاع أسعار النفط إلى أضعاف ، فاستفادت إيران من ذلك عشرات المليارات من الدولارات ، فإذا هي صرفت ملياراً منها أو أكثر لتمرير خُطة نشر التشيع فإن ذلك لا يؤثر في ميزانيتها أبداً ، والدعوة الإسلامية العالمية سُنية في عقيدتها ، ويجب أن تؤدي دوراً مُعاكساً في تثبيت الناس على مذاهب أهل السُنة والجماعة ، وخطأٌ هو قول من يقول أنه لا فرق بيننا وبينهم ، بل الفرق موجود ، ونحن لا نريد أن نحمل الشعور الطائفي ، ولكن نريد أن نحمي شعوب العالم الإسلامي من البدعة ، وإذا لم تقف الدعوة هذا الموقف الدفاعي فإن المصيبة ستكون شديدة الوطأة يوماً ما ، وعندئذ لا ينفع الندم ، ولتكن عِبرة بما حدث في اليمن من قتال الحوثي للدولة ، وتحرشه بالمجتمع السُني ، وبما يحصل في الباكستان من عدوان متبادل ، وبالحرب الأهلية في العراق ، وكانت محاولات حثيثة لنشر التشيع في ماليزيا بجهود إيرانية ، فتصدى لها رئيس الوزراء السابق محاضير محمد بشيء من الحزم ، وأصدر قانوناً يمنع التشيع ، محتجاً بأن المجتمع الماليزي شافعي المذهب كله ، وقبول تبديل المذهب يهدم الوحدة الاجتماعية ، وهو مصيب في ذلك جداً ، وهذا من حسناته الكبرى مع أنه سياسي علماني ، ولكنه ميّز مصلحة البلد جداً وأبدع في رد البدعة .

حاجة القــــــاعدة لـمُجاراة الاجتـــهــــادات الســـائدة

من هنا نتبين خطأ القاعدة في معاداة الحزب الإسلامي العراقي والتحريض على قتل قادته ، وقد حصل فعلاً قتل الكثير من عناصره القيادية النبيلة ، بداية في الموصل حيث قتل شيخ المجاهدين والرجل النوراني الداعية الـمُخضرم الدكـتور عمر محمود عبد الله ، مروراً بفقيه الجهاد وشُعلة الحماسة وكتلة الإخلاص المهندس إياد العزي ، وبأسد الميدان الشيخ عمر حوران في الفلوجة ، وأخيراً بالبطلين المهندس ليث الراوي والطبيب نزار الكبيسي ، رحم الله الجميع ، وكل ذلك بإغراء من قيادة القاعدة وبإفتاء من أسامة بن لادن ، وبخاصة في خطابه الصريح أول صيف سنة 2006 ، حيث ذكر الحزب بسوء وحرّض على قتل قياداته ، وهذا خطأ محض منه ، وجنود القاعدة في العراق عليهم أن يميزوا طبيعة الظرف الصعب والمحنة التي يمر بها أهل السُنة ، والحزب متأول في مشاركته السياسية تأولاً يشهد له الفقه وقول أهل الإفتاء الشرعي ، وفعل ما فعل من أجل أهل السُنة ولئلا يترك مرافق الدولة للاحتكار الشيعي ، ولتخفيف جثمة المحنة ، وتاريخ الحزب تاريخ مشرّف على طول المدى ، وقياداته وأعضاؤه هم الذين علّموا الناس الإيمان والأخلاق والوعي ، وهم الذين ينصرون فكرة المقاومة وحق الشعب العراقي في الرد على الاحتلال ، وهم الذين حشدوا جهودهم الإعلامية الصحفية وإذاعة دار السلام وقناة بغداد الفضائية لتأييد قضية أهل السُنة وحملة الجهاد والمقاومة وإسناد حقوق الإنسان العراقي وكشف العدوان الأميركي ، والإغاثات المالية والخدمية التي قدموها منذ أيام الحصار الظالم قبل الحرب ثم بعد الحرب وإلى الآن تشهد لهم ولبذلهم وصدقهم ، ومناقبهم السياسية في فضح المشروع الصفوي وأخطاره يعرفها كل مخلص ، وكل ذلك يوجب تنادي العقلاء ووجوه أهل السُنة ومشايخ المساجد وشيوخ العشائر لمنع تعديات شباب القاعدة على رجال الحزب الإسلامي العراقي ، وبذل شهادة الإنصاف ، والوعظ بضرورة وحدة صفوف أهل السُنة ، وتوهيم أسامة بن لادن فيما ذهب إليه ، وطلب حفظ دماء المسلمين ، فإنها غالية ، وإذا لم يحصل مثل هذا الإنكار من العقلاء فإن الفطرة البشرية تدعو إلى الدفاع عن النفس، والحقوق الشرعية تأذن بذلك ، فتزداد القتول من الطرفين ، وتحدث الفتنة بأعتى معانيها ، وذلك ما تريده إيران وما يريده الأميركان ، ويسع المرء أن يقول : إن الحزب أخطأ ، دون أن يقتل رجاله ، وعندئذ يكون المنطق والفكر هو الحاكم بين الطرفين ، ولن نرفض طلباً للحوار والتفاهم واستجلاء الرأي ، فإن الحزب لم يتقدم إلى المشاركة إلا بعد أن استوفى الشورى واستمزج رأي العقلاء وسادات الناس داخل العراق وخارجه ، وحصلت له عدة إفتاءات شرعية من أئمة العلم ، وجدير بأهل العلم والرأي والشيبات أن يمنعوا صغار الشباب من التهور .

وليعلم من يُنكر على الحزب أن القضية أبعد من مجرد دفع الاحتلال ، أو مقاومة المشروع الصفوي الإيراني ، وأنه لابد أن يتواجد المخلصون من أمثال رجال الحزب الإسلامي وجبهة التوافق في الحكومة وإدارات المحافظات لحفظ حقوق العراقيين بالحسنى، لأن كل ظلم يقع الآن يأخذ طريقه إلى أن يكون اتفاقاً دولياً مُلزما لأي حكومة عراقية في المستقبل حتى لو كانت حكومة جهادية ، ولنأخذ قضية امتيازات النفط العراقي مثلاً لذلك ، فإن الشركات الاحتكارية الأميركية تريد التعاقد وفق شروط مجحفة بحق العراق ، وتريد أن تمتلك الحقول ، وأن ترفع كلفة الاستثمار والإنتاج بطرق وهمية وأرقام مضاعفة غير حقيقية ، بينما السياسة الصحيحة لو كان هناك تمكين للحزب الإسلامي أن يقول قولته : أن تكون الحكومة العراقية هي المستثمرة المطورة للحقول ، لأن الكلفة ستنخفض إلى أقل من الرُبُع أو الخُمُس ، كلفة التطوير للحقل، وكلفة الإنتاج اليومي للبرميل الواحد ، وللعراق مقدرة فنية على ذلك ، ويملك كادراً من المهندسين والخبراء ، وقد يستأجر بعض كبار الخبراء من العالم الحُر ، ويمكنه أن يشتري أبراج الحفر ، مع العلم أن كلفة الاستكشاف هي الأكبر ، وهذه مرحلة قد تمت سابقاً ولدى الدولة خوارط استكشافية جيولوجية وفيزياوية لثمانين حقلاً يراد الآن إعطاؤها للشركات الأميركية بدون احتساب كلفة الاستكشاف واسترجاعها ، فمثل هذه الأمور ستحكمها اتفاقات دولية ملزمة لأي حكومة عراقية قادمة ، فهل يصح أن نغيب ونجعل حزب الفضيلة وأمثاله والأحزاب الشيعية والكردية هي المؤتمنة على مستقبلنا ؟ هذه مسائل لا يعرفها الشاب الذي يحمل البندقية ويقاتل تحت راية بن لادن ، وخير له أن يكون واقعياً ويوقن بأن الحزب الإسلامي هو الوكيل الحقيقي المخلص عن مصالح الشعب العليا وهو المراقب المخلص على الاتفاقيات الدولية التي ستعقدها هذه الحكومة وتكون ملزمة للحكومات العراقية القادمة بحكم ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية التجارة الدولية وصلاحيات البنك الدولي ، وخير للمقاومة أن يكون لها ممثل أمين في الحكومة يأمر بالمعروف السياسي وينهى عن المنكر السياسي والاقتصادي والنفطي ، وليس غير الحزب الإسلامي بثقله المعروف يوفر هذا التمثيل والحضور الفاعل ، ومن معه من أعضاء جبهة التوافق .

هذه قضايا معقدة تخصصية لا يبتّ فيها الشاب المقاتل ، وإنما هي صنعة الكهول والخبراء وكبار الضباط وجيل الوزراء ونواب البرلمان ورجال البحث التنموي ومدراء المؤسسات وقادة الفكر وعلماء الشرع ووجوه الإعلام وأساتذة الجامعة

فلعل الغضبات تنتهي ، ويحل بدلها التفاهم والحوار بالحُسنى ، ولعل إزهاق الأرواح يتوقف ، وترميل النساء وتيتم الأولاد الأبرياء ، ولربما عطّلت شهقةُ يتيم مظلوم النصرَ في ميدان المعركة ، لو كان المجاهدون يعلمون ، والجهاد له أحكام وأخلاقيات ، وله علاقات مع الإيمان والفقه ، وما هو بعمل ارتجالي ، وجهادنا العراقي مُعقّد غاية التعقيد ، بسبب تعقد المجتمع العراقي وخصوصياته وتوزعاته المذهبية والعِرقية والعشائرية وتدخلات الدول الإقليمية ، ولذلك لا يُفتي فيه غريب غير عراقي ، بل يضع هندسته وتخطيطاته وإفتاءاته قادة عراقيون يعرفون البيئة والأعراف وطبيعة المشاكل وجذور المسائل .

وغياب الثقات عن الحكومة يؤدي إلى طغيان كردي أيضاً في مناطق التماس معهم ، في الموصل مثلاً ، وليس العدوان الشيعي فقط ، وليفهم رجال القاعدة ذلك ، والذي يحصل الآن من تدخل الأكراد في أعمال ومناهج مدارس محافظة نينوى مثال لذلك ، ومحافظة دهوك تصول وتجول في محافظة نينوى ، لأن العصر عصر فوضى وتغالب قومي مثلما هو تغالب مذهبي ، وعندنا تقارير رسمية تشير إلى أن مديرية تربية دهوك الكردية تعمل وتنشط في المناطق التي تزعم أنها كردية من أقضية محافظة نينوى العربية ، وكأنها تفترض أن الفدرالية الكردية قد قامت وحصل تقسيم جغرافي جديد للعراق يغير حدود المحافظات ، ففي كتاب سري ، مثلاً ، بتاريخ 10/10/2005 مرفوع من قبل المدير العام لتربية الموصل يذكر أن عدد المدارس التي فتحتها تربية دهوك في مناطق أقضية سنجار والشيخان ومخمور وتلكيف التابعة لمحافظة نينوى ( الموصل ) بلغ 144 مدرسة ، كلها بلا إذن ، وترفع العلم الكردي لا العراقي ، وبلغ عدد المدرسين الأكراد المعينين فيها من قبل دهوك 1374 مُعلّماً ، أضيف لهم 250 آخر فيما بعد ، وان إدارة دهوك تفرض تعليم اللغة الكردية في هذه المدارس ، وتقلص ساعات تدريس التربية الإسلامية إلى النصف من أجل زيادة تدريس الكردية ، وبلغ عدد المدرسين الأكراد في بعض المدارس ضعف الحاجة ، بمعنى أنهم يُـعَيّنون هناك من أجل حضورٍ كردي ضاغط ولغاية أمنية وسياسية وليست تعليمية ، ويشير كتاب سري آخر رقمه 133/س في 21/11/2005 إلى فتح عدة مديريات كردية للتربية تابعة لدهوك في محافظة نينوى ، وأن زهير عبو الذي فرض نفسه في تربية قضاء الشيخان كممثل لتربية دهوك يزور المدارس ويوجّه بمنع تدريس اللغة العربية ، وطبعاً معه فصائل من الميليشيا الكردية البيشمركة ، وفي كشف إحصائي تشير الأرقام إلى أن ثانوية الوليد في سنجار فيها 11 مُدرساً يتبع لدهوك مقابل 28 لنينوى ، ومدرسة قرطبة فيها 9 اكراد مقابل 6 ، ومدرسة حتّارة في تلكيف فيها 28مدرساً كردياً مقابل 11، ومدرسة بوزان في تلكيف فيها 26 مُدرساً كُردياً مُقابل 10 ، وسريشكة في تلكيف فيها 14 مقابل لا شيء ، ومدرسة سوزنكنة في القوش فيها 13 مقابل 12 ، ومدرسة مهد في الشيخان فيها 16 مقابل 25 ، وثانوية عين سفني للبنات فيها 15 مقابل 21 ، وحتارة في تلعفر فيها 12 مقابل 12 ، ومدرسة عبد الله بن مسعود في سنجار فيها 50 مقابل 8 ، وعجائب اُخرى ، ومعنى ذلك أنه اختراق كردي بالقوة لا ينتظر دستوراً ولا تصويتاً ولا تفاهماً ، ولكن على قاعدة إنما تؤخذ الدنيا غلابا ، وهذه نماذج للإشكالات التي تحتاج إلى وجود سُني وعربي في أجهزة الدولة لئلا يتسع الخرق وتتأسس صروح الفدراليات الجنوبية والشمالية على أشلائنا ، مع هضم لحقوقنا ، ودوس لكرامتنا ، وجنود القاعدة عليهم أن يفكروا عشر مرّات في مغزى ومعنى هذا الكلام وهذه التقارير قبل أن يتهموا الذي يشارك في العملية السياسية بخيانة ، وإذا كان هذا يحدث في دوائر مدنية تربوية سلمية : فإن ما يحدث في فرق القوات المسلحة أضعاف ذلك ، بسبب غيابنا عنها واستبداد الأحزاب الشيعية والكردية بها .

وليس المشاركون في السياسة من أهل السُنة يزعمون العصمة لأنفسهم ، فإن أصل توجههم للمشاركة صحيح ، لكنهم بشر ، وقد يكون منهم الخطأ في اختيار وزير ووكيل ومدير ، لقلة الممارسة السياسية سابقاً ، وقد حصل خطأ مثلاً في تزكية وزير الدفاع ، ولكن ذلك لا يمنعهم من محاولة الاستدراك وطلب إقالته ، مثلاً ، وترشيح آخر بدلاً عنه ، وكذا عند اكتشاف حصول خطأ في اختيار أي سُني آخر لمنصب آخر ، فإن محاولة التغيير هي الأصوب ، ولا داعي لرفض كل العملية السياسية بحجة حصول أخطاء ، بل يكون التعلم من الخطأ ، ويكون تطوير المهارة السياسية من خلال التجارب ، وذلك هو شأن جميع الساسة ، ولا حاجة للتوتر .

فاتعظوا يا أهل السُنة !!

قد انطلت عليكم دعاية إيران بوجوب ترك العملية السياسية وهجر أهل السُنة للوظائـف في الوزارات والجيش والشرطة

ولعلهم غداً سيغرّونكم بترك الدراسة في الجامعات ، لتجهيلكم أيضاً ...

بل بلغنا أن هذا الفهم بدأ يسري .

وستندمون ، وينطبق عليكم قول اُم ملك الأندلس :

اُبـكوا مثل النساء مُلكاً لم تحافظوا عليه مثل الرجال !!

نعم : نحافظ عليه بالجهاد ، ونقر بذلك ...

ولكن بالمشاركة السياسية أيضا