فاجأ الأستاذ محمد حسنين هيكل – المثير للجدل دائما – قراء جريدة المصري اليوم بأنه سينشر فيها رسائل كان قد كتبها منذ 25 سنة الى الرئيس مبارك ولم تنشر حتى الآن بناء على طلب من الرئاسة وقتئذ ، وكالعادة ثارت فوضى المناقشات والاتهامات والظنون ، ودبجت المقالات الطوال ما بين مؤيدة للنشر ومعارضة ، وأدلى كل من يملك دلوا بدلوه في الموضوع ، ومن لا يملك دلوا استعار دلوا أو ادعى ملكيته لدلو ، ثم انجلى الغبار عن معركة الرسائل الهيكلية بصمت فلسفي في انتظار بداية النشر الفعلي ، وفعلا بدأ النشر واذا بالرسائل حتى الآن لا تختلف كثيرا عن حلقات الأستاذ في الجزيرة ، نبش في الماضي ووجهة نظر محددة وثابتة وموجهة نحو جميع الأحداث قبل الثورة وفي العهد الناصري والساداتي ، وادعاء ملكية الحقائق المطلقة في مجريات الأمور في هذه العصور !!!
حصيلة الرسائل الهيكلية الى الحضرة الرئاسية هي مجموعة من الدروس في محو الأمية السياسية ، فلك أن تتصور مثلا أن الأستاذ يشرح لرئيس الجمهورية الأسرار الحربية التي خفيت عليه أيام كان قائدا لأركان القوات الجوية ، ثم يشرح له الأسرار السياسية التي خفيت عليه أيام كان الرجل الثاني في مصر نائبا لرئيس الجمهورية ، وهذا من أعجب العجب
ومع هذا العجب ، انبرى فريق المهللين من بقايا الناصريين واليساريين صائحين مستحسنين "الله ياسي محمد" ، ثم انثنوا الى منتقدي المقالات يكيلون لهم الاتهامات بالجهل وارتكاب جريمة الكفر بهيكل
كنت أتمنى أن يدور حراك سياسي تاريخي تشارك فيه كل القوى ، لتمحيص التاريخ المصري في العصر الحديث والذي استولى على تدوينه أهل اليسارمنذ العصر الناصري وحتى وقت قريب واعتبروه حكرا عليهم وملكية خاصة بهم يزودون عنها كل من تسول له نفسه أن يقترب منه أو يحاول تصحيح أي جزء منه
نحن الزغاليل الذين لم ندرك العهد الناصري بوعي والأكثر زغللة منا أي الأصغر سنا الذين لم يدركوا عصر السادات أصلا لا يستطيعون أن يتصدوا لمقالات الأستاذ وتحليلاته ووثائقه سواء بالتأييد أو الاعتراض ، أما الأكبر سنا والأرسخ قدما الذي عاش هذه الحقب هو وحده الذي يستطيع أن يتصدى لهذه المقالات ، ولست أدري سر هذا التواطؤ بين جميع الألسنة الحداد من التيارات السياسية المختلفة على السكوت على تحليلات الأستاذ بما لا يمكن تفسيره الا بنظرية سيب وأنا أسيب أو أن كل ما يقوله الأستاذ صحيح !!!
الخلاصة أننا نريد رأيا محايدا لما يقوله الاستاذ ، لا نريد رأيا حكوميا يهاجم الأستاذ لمجرد أن ما يقوله يصطدم بالنظام المصري ، ولا نريد من يهاجم الأستاذ لخلافات شخصية أو تصفية الحسابات معه ، ولا نريد من يهاجم لمجرد الهجوم والظهور والتصدي لقامة مثل الأستاذ هيكل
وبالمثل لا نريد من يؤيد لأن من يتكلم هو هيكل ، ولا من يؤيد لأن الأستاذ رمز من رموز الناصرية ، ولا من يؤيد بغضا لمعاوية وليس حبا في علي ، فمعاوية نفسه لم يبغض عليا
وفي النهاية ليسمح لي الأستاذ هيكل أن أبعث أنا اليه برسالة وليعذرني فلن أنتظر 25 سنة حتى أبعث بها اليه ، أقول له "أستاذ هيكل ، بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي الايديولوجي معك فإني أرجوك أن تتقي الله في أبناء وطنك مهما كان توجههم ، لن يغني عنك أحد من الله شيئا ، ان الرجل اذا بلغ سن 84 عاما – أمد الله في عمرك – استشعر قرب لقاء الله ، والله عز وجل لا يغفر حقوق العباد على العبد ، وأنت كل ما تتكلم فيه من التاريخ يخص هؤلاء العباد فاحذر أن تظلم أحدا منهم ، فهم سيكونون غدا حائلا بينك وبين رحمة ربك ، وحقوق العباد لا ترد بالتوبة فقط ولكن برد الحقوق الى أصحابها وأذكرك بقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) والسلام عليكم ورحمة الله
No comments:
Post a Comment