قال الزهري : قال أبو هريرة : ما رأيت أحدا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث عبد الرزاق
لما نزلت قريش بأحد ، ذلك في يوم الأربعاء الرابع من شوال ،
استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، (موضوع الاستفتاء)
وكان رأيه ألا يخرج إليهم ، ويقيم بالمدينة ، حتى يقاتلهم فيها ،(رأي المشرع الشخصي)
ووافقه على رأيه شيوخ الأنصار ، وعبد الله بن أبي ابن سلول ، (آراء النخبة)
وقال : يا رسول الله ما قاتلنا ودخل المدينة علينا أحد إلا ظفرنا به ، ولا خرجنا إليه إلا ظفر بنا ،
وكان رأي أحداث الأنصار الخروج إليهم : لتأخرهم عن بدر ، (رأي الشعب)
فغلب رأي من أراد الخروج ، (نتيجة الاستفتاء)
فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة بالمدينة ، ثم العصر ، ثم دخل منزله ، فلبس لأمة سلاحه ، وظاهر بين درعين ، فلما رآه الناس ندموا على ما أشاروا عليه من الخروج ،
وقال لهم أسيد بن الحضير ، وسعد بن معاذ : أكرهتموه على الخروج ، والوحي ينزل عليه ، (النخبة تلوم الأغلبية)
فقالوا : يا رسول الله اصنع ما شئت . (يخيرون من لا ينطق عن الهوى للرجوع عن نتيجة الاستفتاء)
فقال : ما كان لنبي لبس لأمة سلاحه أن ينزعها حتى يقاتل (بأبي وأمي ونفسي أنت يارسول الله)
وسار في ألف رجل من المهاجرين والأنصار فيهم مائة دارع ، ولم يكن معهم إلا فرسان : أحدهما : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآخر لأبي بردة بن نيار ، واستخلف على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم ، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب وقيل : إلى مصعب بن عمير ، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج إلى خباب بن المنذر .
فلما كان بين المدينة وأحد عاد عبد الله بن أبي بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني ، (الانقلاب على نتيجة الاستفتاء)
ثم أنتم تعرفون كيف سارت أحداث الغزوة وكيف كانت نتائجها
ثم إني أستحلفكم أن تصبروا قليلا لتتابعوا معي ماذا يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال عن الآية التي نزلت بعد انتهاء غزوة أحد وعودة المسلمين الى المدينة :
وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي , لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه . . أما شكل الشورى , والوسيلة التي تتحقق بها , فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها . وكل شكل وكل وسيلة , تتم بها حقيقة الشورى - لا مظهرها - فهي من الإسلام .
لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ! فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم !
اختلفت الآراء . فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها , حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة . وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين . وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف . إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش , والعدو على الأبواب - وهو حدث ضخم وخلل مخيف - كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن - في ظاهرها - أسلم الخطط من الناحية العسكرية . إذ أنها كانت مخالفة "للسوابق" في الدفاع عن المدينة - كما قال عبد الله ابن أبي - وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية , فبقوا فعلا في المدينة , وأقاموا الخندق , ولم يخرجوا للقاء العدو . منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد !
ولم يكن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج . فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة , التي رآها , والتي يعرف مدى صدقها . وقد تأولها قتيلا من أهل بيته , وقتلى من صحابته , وتأول المدينة درعا حصينة . . وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى . .
ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات .
لأن إقرار المبدأ , وتعليم الجماعة , وتربية الأمة , أكبر من الخسائر الوقتية .
ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة . أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف ; وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة !
ولكن الإسلام كان ينشىء أمة , ويربيها , ويعدها لقيادة البشرية . والله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة , أن تربى بالشورى ; وأن تدرب على حمل التبعة , وأن تخطىء - مهما يكن الخطأ جسيما وذا نتائج مريرة - لتعرف كيف تصحح خطأها , وكيف تحتمل تبعات رأيها وتصرفها . فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ . .والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة المقدرة للتبعة . واختصار الأخطاء والعثرات والخسائر في حياة الأمة ليس فيها شيء من الكسب لها , إذا كانت نتيجته أن تظل هذه الأمة قاصرة كالطفل تحت الوصاية . إنها في هذه الحالة تتقي خسائر مادية وتحقق مكاسب مادية . ولكنها تخسر نفسها , وتخسر وجودها , وتخسر تربيتها , وتخسر تدريبها على الحياة الواقعية . كالطفل الذي يمنع من مزاولة المشي - مثلا - لتوفير العثرات والخبطات . أو توفير الحذاء !
كان الإسلام ينشىء أمة ويربيها , ويعدها للقيادة الراشدة . فلم يكن بد أن يحقق لهذه الأمة رشدها , ويرفع عنها الوصاية في حركات حياتها العملية الواقعية , كي تدرب عليها في حياة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وبإشرافه . ولو كان وجود القيادة الراشدة يمنع الشورى , ويمنع تدريب الأمة عليها تدريبا عمليا واقعيا في أخطر الشؤون - كمعركة أحد التي قد تقرر مصير الأمة المسلمة نهائيا , وهي أمة ناشئة تحيط بها العداوات والأخطار من كل جانب - ويحل للقيادة أن تستقل بالأمر وله كل هذه الخطورة - لو كان وجود القيادة الراشدة في الأمة يكفي ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشؤون , لكان وجود محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ومعه الوحي من الله سبحانه وتعالى - كافيا لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى ! - وبخاصة على ضوء النتائج المريرة التي صاحبتها في ظل الملابسات الخطيرة لنشأة الأمة المسلمة .
ولكن وجود محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومعه الوحي الإلهي ووقوع تلك الأحداث , ووجود تلك الملابسات , لم يلغ هذا الحق . لأن الله - سبحانه - يعلم أن لا بد من مزاولته في أخطر الشؤون , ومهما تكن النتائج , ومهما تكن الخسائر , ومهما يكن انقسام الصف , ومهما تكن التضحيات المريرة , ومهما تكن الأخطار المحيطة . . لأن هذه كلها جزئيات لا تقوم أمام إنشاء الأمة الراشدة , المدربة بالفعل على الحياة ; المدركة لتبعات الرأي والعمل , الواعية لنتائج الرأي والعمل . .
ومن هنا جاء هذا الأمر الإلهي , في هذا الوقت بالذات:(فاعف عنهم , واستغفر لهم , وشاورهم في الأمر). .
ليقرر المبدأ في مواجهة أخطر الأخطار التي صاحبت استعماله ; وليثبت هذا القرار في حياة الأمة المسلمة أيا كانت الأخطار التي تقع في أثناء التطبيق ; وليسقط الحجة الواهية التي تثار لإبطال هذا المبدأ في حياة الأمة المسلمة , كلما نشأ عن استعماله بعض العواقب التي تبدو سيئة , ولو كان هو انقسام الصف , كما وقع في "أحد" والعدو على الأبواب . .
لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ . ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق !
على أن الصورة الحقيقية للنظام الإسلامي لا تكمل حتى نمضي مع بقية الآية ; فنرى أن الشورى لا تنتهي أبدا إلى الأرجحة والتعويق , ولا تغني كذلك عن التوكل على الله في نهاية المطاف:(فإذا عزمت فتوكل على الله . إن الله يحب المتوكلين). .
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي , واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة , فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد , انتهى دور الشورى وجاء دور التنفيذ . . التنفيذ في عزم وحسم , وفي توكل على الله , يصل الأمر بقدر الله , ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء .
وكما ألقى النبي [ ص ] درسه النبوي الرباني , وهو يعلم الأمة الشورى , ويعلمها إبداء الرأي , واحتمال تبعته بتنفيذه , في أخطر الشؤون وأكبرها . . كذلك ألقى عليها درسه الثاني في المضاء بعد الشورى , وفي التوكل على الله , وإسلام النفس لقدره - على علم بمجراه واتجاهه - فأمضى الأمر في الخروج ,ودخل بيته فلبس درعه ولأمته - وهو يعلم إلى أين هو ماض , وما الذي ينتظره وينتظر الصحابة معه من آلام وتضحيات . .
وحتى حين أتيحت فرصة أخرى بتردد المتحمسين , وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه [ صلى الله عليه وسلم ] على ما لا يريد , وتركهم الأمر له ليخرج أو يبقى . . حتى حين أتيحت هذه الفرصة لم ينتهزها ليرجع . لأنه أراد أن يعلمهم الدرس كله . درس الشورى . ثم العزم والمضي . مع التوكل على الله والاستسلام لقدره . وأن يعلمهم أن للشورى وقتها , ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد . فهذا مآلة الشلل والسلبية والتأرجح الذي لا ينتهي . . إنما هو رأي وشورى . وعزم ومضاء . وتوكل على الله , يحبه الله:(إن الله يحب المتوكلين). .
والخلة التي يحبها الله ويحب أهلها هي الخلة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمنون . بل هي التي تميز المؤمنين . . والتوكل على الله , ورد الأمر إليه في النهاية , هو خط التوازن الأخير في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية . وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة:حقيقة أن مرد الأمر كله لله , وأن الله فعال لما يريد . .
لقد كان هذا درسا من دروس "أحد" الكبار . هو رصيد الأمة المسلمة في أجيالها كلها , وليس رصيد جيل بعينه في زمن من الأزمان . أهـ
وصلي اللهم وسلم وبارك على معلم الناس الخير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث عبد الرزاق
لما نزلت قريش بأحد ، ذلك في يوم الأربعاء الرابع من شوال ،
استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، (موضوع الاستفتاء)
وكان رأيه ألا يخرج إليهم ، ويقيم بالمدينة ، حتى يقاتلهم فيها ،(رأي المشرع الشخصي)
ووافقه على رأيه شيوخ الأنصار ، وعبد الله بن أبي ابن سلول ، (آراء النخبة)
وقال : يا رسول الله ما قاتلنا ودخل المدينة علينا أحد إلا ظفرنا به ، ولا خرجنا إليه إلا ظفر بنا ،
وكان رأي أحداث الأنصار الخروج إليهم : لتأخرهم عن بدر ، (رأي الشعب)
فغلب رأي من أراد الخروج ، (نتيجة الاستفتاء)
فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة بالمدينة ، ثم العصر ، ثم دخل منزله ، فلبس لأمة سلاحه ، وظاهر بين درعين ، فلما رآه الناس ندموا على ما أشاروا عليه من الخروج ،
وقال لهم أسيد بن الحضير ، وسعد بن معاذ : أكرهتموه على الخروج ، والوحي ينزل عليه ، (النخبة تلوم الأغلبية)
فقالوا : يا رسول الله اصنع ما شئت . (يخيرون من لا ينطق عن الهوى للرجوع عن نتيجة الاستفتاء)
فقال : ما كان لنبي لبس لأمة سلاحه أن ينزعها حتى يقاتل (بأبي وأمي ونفسي أنت يارسول الله)
وسار في ألف رجل من المهاجرين والأنصار فيهم مائة دارع ، ولم يكن معهم إلا فرسان : أحدهما : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآخر لأبي بردة بن نيار ، واستخلف على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم ، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب وقيل : إلى مصعب بن عمير ، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج إلى خباب بن المنذر .
فلما كان بين المدينة وأحد عاد عبد الله بن أبي بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني ، (الانقلاب على نتيجة الاستفتاء)
ثم أنتم تعرفون كيف سارت أحداث الغزوة وكيف كانت نتائجها
ثم إني أستحلفكم أن تصبروا قليلا لتتابعوا معي ماذا يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال عن الآية التي نزلت بعد انتهاء غزوة أحد وعودة المسلمين الى المدينة :
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
يقول: وبهذا النص الجازم: (وشاورهم في الأمر). . يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم - حتى ومحمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] هو الذي يتولاه .وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي , لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه . . أما شكل الشورى , والوسيلة التي تتحقق بها , فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها . وكل شكل وكل وسيلة , تتم بها حقيقة الشورى - لا مظهرها - فهي من الإسلام .
لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ! فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم !
اختلفت الآراء . فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها , حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة . وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين . وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف . إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش , والعدو على الأبواب - وهو حدث ضخم وخلل مخيف - كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن - في ظاهرها - أسلم الخطط من الناحية العسكرية . إذ أنها كانت مخالفة "للسوابق" في الدفاع عن المدينة - كما قال عبد الله ابن أبي - وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية , فبقوا فعلا في المدينة , وأقاموا الخندق , ولم يخرجوا للقاء العدو . منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد !
ولم يكن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج . فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة , التي رآها , والتي يعرف مدى صدقها . وقد تأولها قتيلا من أهل بيته , وقتلى من صحابته , وتأول المدينة درعا حصينة . . وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى . .
ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات .
لأن إقرار المبدأ , وتعليم الجماعة , وتربية الأمة , أكبر من الخسائر الوقتية .
ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة . أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف ; وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة !
ولكن الإسلام كان ينشىء أمة , ويربيها , ويعدها لقيادة البشرية . والله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة , أن تربى بالشورى ; وأن تدرب على حمل التبعة , وأن تخطىء - مهما يكن الخطأ جسيما وذا نتائج مريرة - لتعرف كيف تصحح خطأها , وكيف تحتمل تبعات رأيها وتصرفها . فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ . .والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة المقدرة للتبعة . واختصار الأخطاء والعثرات والخسائر في حياة الأمة ليس فيها شيء من الكسب لها , إذا كانت نتيجته أن تظل هذه الأمة قاصرة كالطفل تحت الوصاية . إنها في هذه الحالة تتقي خسائر مادية وتحقق مكاسب مادية . ولكنها تخسر نفسها , وتخسر وجودها , وتخسر تربيتها , وتخسر تدريبها على الحياة الواقعية . كالطفل الذي يمنع من مزاولة المشي - مثلا - لتوفير العثرات والخبطات . أو توفير الحذاء !
كان الإسلام ينشىء أمة ويربيها , ويعدها للقيادة الراشدة . فلم يكن بد أن يحقق لهذه الأمة رشدها , ويرفع عنها الوصاية في حركات حياتها العملية الواقعية , كي تدرب عليها في حياة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وبإشرافه . ولو كان وجود القيادة الراشدة يمنع الشورى , ويمنع تدريب الأمة عليها تدريبا عمليا واقعيا في أخطر الشؤون - كمعركة أحد التي قد تقرر مصير الأمة المسلمة نهائيا , وهي أمة ناشئة تحيط بها العداوات والأخطار من كل جانب - ويحل للقيادة أن تستقل بالأمر وله كل هذه الخطورة - لو كان وجود القيادة الراشدة في الأمة يكفي ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشؤون , لكان وجود محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ومعه الوحي من الله سبحانه وتعالى - كافيا لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى ! - وبخاصة على ضوء النتائج المريرة التي صاحبتها في ظل الملابسات الخطيرة لنشأة الأمة المسلمة .
ولكن وجود محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومعه الوحي الإلهي ووقوع تلك الأحداث , ووجود تلك الملابسات , لم يلغ هذا الحق . لأن الله - سبحانه - يعلم أن لا بد من مزاولته في أخطر الشؤون , ومهما تكن النتائج , ومهما تكن الخسائر , ومهما يكن انقسام الصف , ومهما تكن التضحيات المريرة , ومهما تكن الأخطار المحيطة . . لأن هذه كلها جزئيات لا تقوم أمام إنشاء الأمة الراشدة , المدربة بالفعل على الحياة ; المدركة لتبعات الرأي والعمل , الواعية لنتائج الرأي والعمل . .
ومن هنا جاء هذا الأمر الإلهي , في هذا الوقت بالذات:(فاعف عنهم , واستغفر لهم , وشاورهم في الأمر). .
ليقرر المبدأ في مواجهة أخطر الأخطار التي صاحبت استعماله ; وليثبت هذا القرار في حياة الأمة المسلمة أيا كانت الأخطار التي تقع في أثناء التطبيق ; وليسقط الحجة الواهية التي تثار لإبطال هذا المبدأ في حياة الأمة المسلمة , كلما نشأ عن استعماله بعض العواقب التي تبدو سيئة , ولو كان هو انقسام الصف , كما وقع في "أحد" والعدو على الأبواب . .
لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ . ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق !
على أن الصورة الحقيقية للنظام الإسلامي لا تكمل حتى نمضي مع بقية الآية ; فنرى أن الشورى لا تنتهي أبدا إلى الأرجحة والتعويق , ولا تغني كذلك عن التوكل على الله في نهاية المطاف:(فإذا عزمت فتوكل على الله . إن الله يحب المتوكلين). .
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي , واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة , فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد , انتهى دور الشورى وجاء دور التنفيذ . . التنفيذ في عزم وحسم , وفي توكل على الله , يصل الأمر بقدر الله , ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء .
وكما ألقى النبي [ ص ] درسه النبوي الرباني , وهو يعلم الأمة الشورى , ويعلمها إبداء الرأي , واحتمال تبعته بتنفيذه , في أخطر الشؤون وأكبرها . . كذلك ألقى عليها درسه الثاني في المضاء بعد الشورى , وفي التوكل على الله , وإسلام النفس لقدره - على علم بمجراه واتجاهه - فأمضى الأمر في الخروج ,ودخل بيته فلبس درعه ولأمته - وهو يعلم إلى أين هو ماض , وما الذي ينتظره وينتظر الصحابة معه من آلام وتضحيات . .
وحتى حين أتيحت فرصة أخرى بتردد المتحمسين , وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه [ صلى الله عليه وسلم ] على ما لا يريد , وتركهم الأمر له ليخرج أو يبقى . . حتى حين أتيحت هذه الفرصة لم ينتهزها ليرجع . لأنه أراد أن يعلمهم الدرس كله . درس الشورى . ثم العزم والمضي . مع التوكل على الله والاستسلام لقدره . وأن يعلمهم أن للشورى وقتها , ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد . فهذا مآلة الشلل والسلبية والتأرجح الذي لا ينتهي . . إنما هو رأي وشورى . وعزم ومضاء . وتوكل على الله , يحبه الله:(إن الله يحب المتوكلين). .
والخلة التي يحبها الله ويحب أهلها هي الخلة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمنون . بل هي التي تميز المؤمنين . . والتوكل على الله , ورد الأمر إليه في النهاية , هو خط التوازن الأخير في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية . وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة:حقيقة أن مرد الأمر كله لله , وأن الله فعال لما يريد . .
لقد كان هذا درسا من دروس "أحد" الكبار . هو رصيد الأمة المسلمة في أجيالها كلها , وليس رصيد جيل بعينه في زمن من الأزمان . أهـ
وصلي اللهم وسلم وبارك على معلم الناس الخير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
صدقت يا أخي فهذا هو ديننا الذى أحد أركان حكمه الشورى ويؤكدها في تطبيقات الحياة في عهد الرسول الموحي إليه ليؤكد أنه ليس أحد فوق الشورى ولكن للأسف دعاة الديمقراطية الوهمية والذين صدعوا رءوسنا بفكرة الديمقراطية والدولة المدنية وقبول الآخر رسبو...ا وسقطوا مع أول اختبار في غيابات جهلهم ودكتاتوريتهم ليؤكدوا أن كل هذه الشعارات ما هى إلا وسائل خادعة وشراك ينصبونها حتى يصلوا إلى أهدافهم فإذا لم توصلهم هذه المبادئ إلى ما يرمون إليه داسوا عليها وهذا ما يؤكد أنهم إذا وصلوا إلى الحكم لن يحكموا إلا بالديكتاتورية التي لا تعترف إلا بإيدلوجية واحدة ومنهج واحد وتيار واحد..... وحسبنا الله ونعم الوكيل
ReplyDeleteولكن موضوع الاهلية لاداء الشورى اليوم موضوع ذو اهمية قصوى
ReplyDeleteنزار غراب
أخي نزار
ReplyDeleteارجع الى السيرة مرة أخرى التي تحدثنا بما لا يدع مجالا للشك او التأويل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شاور في اعلى أمور الدولة شرائح عريضة ضمت الكبير والصغير ولو كان الأمر بالأهليه لما استشار رأس المنافقين ولما قال صلى الله عليه وسلم قبل بدر الكبرى أشيروا علي أيها "الناس" حتى أنه كررها يريد الأنصار ولم يحددهم حتى فهمها سعد بن معاذ
إن ما يخص الجميع في وقت عدم وجود نواب عنهم يستشار فيه الجميع أما عندما يوجد نواب عن الشعب فهم يقررون معظم خياراته بتوكيل من الشعب
إن نظرة الاستعلاء بالعلم أو العقل أو المؤهل الدراسي على الشعب تورد المهالك
طبعا أنا لا أقول أنك تقصد هذا حاشا لله أن أتهمك
ولعل منة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم التي ذكره بها في بداية الآية أنه لين للمؤمنين ولم يكن فظا غليظ القلب هذه الصفات هي التي نحسها للأسف من الذين يسفهون آراء الأغلبية ويتهمونهم أنهم جهلة وبهاليل ومتخلفين وتم حشدهم وسوقهم الى الاستفتاء طمعا في شقة في الجنة إن الواحد من اللي قالوا لأ بعشرة آلاف من اللي قالوا نعم
وإنا لله وإنا اليه راجعون
جزاكم الله خيرا
فى ديننا كفاية ومقنعا لمن كان له قلب يعى وعين تبصر و كيف لا و هو ( تنزيل من حكيم حميد)يلهث دعاة الليبرالية والحداثة وراء مفاهيم مستوردة تنظر لنا أصول حيانتا فى حين أن مشرعى الغرب فى مؤتمراتهم منذ عام 1936 بدأوا يقتبسون من تشريعات الإسلام كما ذكر العلامة أنور الجندى و هى تشريعات أبهرت أعظم المشرعين لأنها من عند الخالق الذى خلق الخلق و هو أعلم بمايصلحهم فى دينهم و دنياهم
ReplyDeleteأخي أبو عبد الله
ReplyDeleteأوجزت وصدقت
جزاكم الله خيرا