Tuesday, July 26, 2011

لما هو عادي ... طيب ليه ؟

إنسحاب الشرطة ... عادي دايما بيحصل كده في الثورات
إنفلات أمني ... عادي هو انت عايز البلطجية مايلاقوش شرطة وما ينتهزوش الفرصة ؟
ترويع إعلامي كاذب للمواطنين ... عادي مش دول إعلام أمن الدولة ؟
روح المسجد الحرام في ميدان التحرير ... عادي هم دول المصريين لما يتجمعوا على هدف واحد
الجيش ينحاز الى صف الشعب ويسقط مبارك ... عادي ياإبني ما هو ده جيش مصر
اللواء الفنجري يحيي أرواح الشهداء تحية عسكرية ... عادي .. بس إستنى أنشف دموعي
القبض على رموزالفساد في نظام مبارك ... عادي هي دي نيابة وقضاء مصر الشامخ
المستشار البشري يرأس لجنة التعديلات الدستورية ... عادي وهم حيلاقوا حد زي طارق البشري
الدعاية المتطرفة لنعم أو لا تأخذ أشكالا غير جيدة ... عادي مادامت آراء فقط فلا بأس مهما كانت
الملايين تزحف على صناديق الاستفتاء ... عادي .. هو انت صدقت نظيف وعمر سليمان لما قالوا الشعب مش واعي؟
الأغلبية الساحقة تقول نعم ... عادي هي دي الديموقراطية في أنصع صورها
الأقلية العددية ترفض نتيجة الاستفتاء وتتهم الشعب بالجهل ... عادي فيه ناس قليلة الأدب في كل الشعوب حنعمل إيه؟
صدور الإعلان الدستوري من المجلس العسكري ... عادي ماهي دي الخطوة الطبيعية لخارطة الطريق
تصاعد أحداث الفتنة الطائفية ... عادي هو انت نسيت أيام المخلوع كانت المواضيع دي مولعة إزاي؟ على الأقل فيه اللي بيطفيها دلوقتي
الناس بتطالب بسرعة المحاكمات للقتلة والمفسدين ... عادي حقهم وانت عايز تقعد تحاكمهم عشر سنين ؟
القضاء يرفض محاولات الضغط عليه أو تسييسه ... عادي علشان العدل وكل واحد ياخد حقه
الضباط المتهمين بقتل الشهداء مطلقي السراح ويمارسون عملهم ... عادي هم خاضعين للتحقيق ولما يُدانوا يتحبسوا
عودة الاعتصامات الفئوية في مناطق مختلفة ... عادي الاعتصام حق من حقوق المواطن للتعبير عن رأيه
حركة المحافظين تثير غضب الشارع الثائر أصلا ... عادي وهي دي أشكال اللي جايبينها؟ لازم الشعب يرفضها
المعترضون على محافظ قنا يقطعون السكك الحديدية لعدة أيام ... عادي ماهم اعترضوا وماحدش عبرهم يعملوا ايه ؟
اعتصام أمام ماسبيرو من بعض الأقباط ... عادي ما انت عارف إن الأقباط ليهم مطالب، وكثير منها عادل، ومطنش ..قابل
تباطؤ .. تباطؤ في كل شيء ... عادي ياجماعة مصر بلد كبيرة والنظام الساقط ماليها فخاخ لإفشال أي محاولة إصلاح
أهالي الشهداء يعانون في صرف مستحقاتهم وأهالي المصابين دايخين بولادهم بينطردوا من مستشفى لمستشفى ...عادي إنتم ناسيين إن البيروقراطية من أكبر مشكلات مصر ولسه اتباعها المخلصين بخير .. نصبر شوية
توجيه اتهامات وانتقادات للمجلس العسكري ... عادي مادام يمارس عملا سياسيا وليس عسكريا
عودة المظاهرات لشباب ثائر في التحرير والسويس وغيره ... عادي لأن الفاعليات الكثيرة بعد الثورات يطلق عليها حالة السيولة الثورية وهي أمر عادي
استدعاء صحفيين وإعلاميين للتحقيق معهم في انتقادات وجهوها للمجلس العسكري ... عادي مش لازم يعرفوا حقيقة التهامات دي لإن المتهمين عسكريين وبعدين المهم إن مافيش حد منهم إتحوِّل لمحكمة عسكرية
دعوات لمليونيات لباها الآلاف في التحرير ... عادي مش لسه فيه مطالب ما اتحققتش
دعوة لمليونية الثورة أولا لجمع الثوار مرة أخرى وترك المختلف فيه ... عادي لازم الناس تفضل تضغط طالما فيه مطالب لم تتحقق
فيه شباب قرروا يعتصموا في التحرير تاني وقفلوا الميدان ... عادي المفروض انك اتعودت خلاص على حكاية الاعتصامات دي وقفلوا الميدان لإنهم خايفين حد يخترقهم ويعمل مصيبة ويلبسها لهم
الإخوان لم يشاركوا في الاعتصامات ... عادي كل واحد ليه وجهة نظر وكل واحد له أسلوبه وكل واحد حر
المعتصمين قفلوا مجمع التحرير وعطلوا مصالح الناس ... عادي جدا إن كل تجمع يكون فيه متطرفين ويعملوا حاجات غلط بس نفهمهم مش نعلق لهم المشانق
المعتصمين بيشتموا المجلس العسكري وبيطالبوا بإقالة المشير ... عادي جدا إن الناس ما يعجبهاش أداء المجلس السياسي ولا رئيسه ماتنساش إن الناس دي لسه مطيرة رئيس مصر السابق فعادي تنتقد القائم بأعماله اما الشتيمة فزي ما قلت لك قبل كده عادي إن كل ناس يكون فيهم أقلية قليلة الأدب مصيرهم يتربوا المهم إن ده مش رأي الأغلبية
المعتصمون بيهددوا يقفلوا البرصة والمترو والكباري وقناة السويس و... و.... ... عادي هو الكلام عليه جمرك .. كبر مخك
المعتصمون علقوا بلطجية عريانين على العواميد ... عادي هو أي حد في مصر بيمسك حرامي بيعمل في اللي جابوه إيه ؟ ولا مرة واحدة بقينا كلنا حنينين؟ دي ثقافة شعب قدامها كتير علشان تتغير .. اصبر
فيه ناس في التحرير بتتلقى تمويل وتدريب من الخارج ... عادي إن أي حد يقول أي كلام ويتهم أي حد بيخالفه واللي معاه دليل يقدمه للنيابة .. والغلطان يتعاقب بالقانون سواء المتهِم أو المتهَم
الحكومة الجديدة مش أحسن بكتير من اللي سبقتها ... عادي مش اللي مشكل الاتنين د.عصام شرف يعني عقلية واحدة وبعدين لما حب يجيب من ترشيحات الثورة اعتذر الافندية .. خايفين .. طيب يجيب منين؟
المعتصمون يسيرون مظاهرة لوزارة الدفاع للاحتجاج على أداء المجلس العسكري ... عادي للمرة المليون المظاهرات عادي والنقد عادي
الجيش يمنع المتظاهرين من إكمال المظاهرة ويغلق الطرق ... عادي إن السلطة ترى إن المظاهرة تتوقف عند نقطة معينة لاعتبارات أمنية يرونها ولكن لا تعتدي على المتظاهرين
أهالي غاضبون وبلطجية يعتدون على المتظاهرين ... عادي إن الناس تخاف يتوقف حالهم زي حال محلات التحرير وعادي إن الفلول تأجر بلطجية لضرب المتظاهرين
التيار الإسلامي يدعو الى مليونية بجد في التحرير ... عادي التحرير بتاعنا كلنا .. يشرفوا .. يمكن روح ميدان التحرير ترجع له تاني
*****
لما كل ده عادي وتوقع يحصل زي ما حصل في كل بلاد الدنيا اللي قامت فيها ثورات
لما يكون بلد مقفول عليها بتتحكم بالحديد والنار حكم ديكتاتوري جائر لمدة 60 سنة متواصلة
لما يكون ده أداء بلد ليس بها مجلس نيابي ولا حكومة منتخبة ولا محليات ولا رئيس ولا دستور ولا فلوس ولا صديق
لما يكون كل حاجة بتتعمل علشان توقع البلد بتفشل وتتكشف
لما يكون فيه شعب بيحب قواته المسلحة مهما كان معارضا لدور قادتها السياسي كل هذا الحب
لما يكون لأي تصرف حصل وبيحصل في البلد وجهة نظر .. قد نختلف معها ولكنها تظل وجهة نظر وليست خيانة
حاجات كتير جدا ممكن نقول عليها ولما ولما ...
ليه اليأس .. ليه الخنقة .. ليه كل يوم بنحس إننا رايحين في داهية والمستقبل إسود ؟
فاضل إيه علشان نتأكد إن اللي قوِّم الثورة ... ونَجَّح الثورة ...
مازال يحمي الثورة
فالله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر وتحيا مصر
الله أكبر ويحيا شعب مصر
الله أكبر ويحيا جيش مصر

Monday, July 18, 2011

فليسقط ميدان التحرير .. ولتحيا مصر

ميدان التحرير الذي كان رمزا للثورة المصرية ، صار الآن رمزا مكروها لرجل الشارع العادي ، وعنوانا للقلق على المستقبل ، ولعدم استقرار البلد ، ولضرب السياحة ، ولانهيار البورصة ، وحجة لرفع أسعار السلع وندرتها ، وللبلطجة ، ووقف حال الناس
ثم هو في نفس الوقت قبلة المتمردين على الدولة وكاميرات الفضائيات مع أن المسيطرون عليه لا يزيدون عن الفين على أفضل تقدير
فالاقتراح هو أن تقوم القوى الإسلامية والمؤمنة بالديموقراطية وخيار الشعب وخارطة الطريق التي اختارها بتدشين ميدان بديل للثورة المصرية
تكسر احتكار التحرير في التحدث باسم الثورة وباسم شعب مصر
تبث من خلاله الأمل للناس في مستقبل أفضل
تحشد الآلاف والملايين في الوقت الذي تريده وهي قادرة إن شاء الله على ذلك
وتدفع الشعب الى المزيد من الالتفاف حول مطالب الثورة من جانب والى العمل من أجل مصر من جانب آخر
تمارس الضغط على الحكام الحاليين لمصلحة مصر وليس لمصلحة شخصية ولامصلحة فصيل بعينه
تجذب الفضائيات والإعلام بعيدا عن ميدان التحرير وميليشياته المتطرفة
تري رجل الشارع الفرق بين الممارسة السياسية الملتزمة والمتفلتة وبين التجميع والتفريق
كما تري الراي العام العالمي صورة ناصعة لثورة تذهلهم في سيرها كما أذهلتهم في بدايتها
إن الثورة صورة من صور الجهاد المشروع في ديننا لدفع الظلم ورد الحقوق ومحاسبة المجرمين
والجهاد له أصوله وأدواته ما لم نتقنها فقد خسرنا ولاشك المعركة
ولقد نعتنا كلنا كل من خالف إرادة الشعب وأعاق الثورة في فترة من الفترات بكلمة "الثورة المضادة"
والآن بات التحرير رمزا للثورة المضادة
خطأ شديد أن تستضيف الأقلية الأغلبية أو تطردها من ميدان التحرير
وخطأ أكبر أن نترك الثورة تدار وتخطف من أقلية عددية لمجرد رمزية التحرير
لقد صدقت ميليشيات التحرير حين أعلنت تحرير الميدان ، فهو فعلا قد صار بهم منعزلا عن آلام الشعب وآماله
إن الذين صنعوا أسطورة ميدان التحرير لقادرون على صنع العشرات من الميادين في مصر
إن ميدان التحرير ليس أعز على قلوبنا من مَعَزَّةِ مكة على قلب النبي صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك عندما استحالت الدعوة الى الله بها تركها -وهي أحب بقاع الأرض الى الله وإلى نفسه - وهاجر الى المدينة
ومن هناك كان النصر والفتح المبين
ولو لم يعد التحرير الى حضن الوطن ولو لم تُسقط رمزيته إن لم يعد
فأعدكم أن الصامتون المترددون سيندمون لقعودهم يوم ضاع ويوم لم يقطعوا حباله حتى لا يُغرق السفينة كلها
فليسقط ميدان التحرير .. ولتحيا مصر

Tuesday, July 12, 2011

Tuesday, July 5, 2011

الاستفتاء ودروس من غزوة أحد

قال الزهري : قال أبو هريرة : ما رأيت أحدا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث عبد الرزاق

لما نزلت قريش بأحد ، ذلك في يوم الأربعاء الرابع من شوال ،
استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، (موضوع الاستفتاء)
وكان رأيه ألا يخرج إليهم ، ويقيم بالمدينة ، حتى يقاتلهم فيها ،(رأي المشرع الشخصي)
ووافقه على رأيه شيوخ الأنصار ، وعبد الله بن أبي ابن سلول ، (آراء النخبة)
وقال : يا رسول الله ما قاتلنا ودخل المدينة علينا أحد إلا ظفرنا به ، ولا خرجنا إليه إلا ظفر بنا ،
وكان رأي أحداث الأنصار الخروج إليهم : لتأخرهم عن بدر ، (رأي الشعب)
فغلب رأي من أراد الخروج ، (نتيجة الاستفتاء)
فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة بالمدينة ، ثم العصر ، ثم دخل منزله ، فلبس لأمة سلاحه ، وظاهر بين درعين ، فلما رآه الناس ندموا على ما أشاروا عليه من الخروج ،
وقال لهم أسيد بن الحضير ، وسعد بن معاذ : أكرهتموه على الخروج ، والوحي ينزل عليه ، (النخبة تلوم الأغلبية)
فقالوا : يا رسول الله اصنع ما شئت . (يخيرون من لا ينطق عن الهوى للرجوع عن نتيجة الاستفتاء)
فقال : ما كان لنبي لبس لأمة سلاحه أن ينزعها حتى يقاتل (بأبي وأمي ونفسي
أنت يارسول الله)
وسار في ألف رجل من المهاجرين والأنصار فيهم مائة دارع ، ولم يكن معهم إلا فرسان : أحدهما : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآخر لأبي بردة بن نيار ، واستخلف على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم ، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب وقيل : إلى مصعب بن عمير ، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج إلى خباب بن المنذر .
فلما كان بين المدينة وأحد عاد عبد الله بن أبي بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني ، (الانقلاب على نتيجة الاستفتاء)
ثم أنتم تعرفون كيف سارت أحداث الغزوة وكيف كانت نتائجها
ثم إني أستحلفكم أن تصبروا قليلا لتتابعوا معي ماذا يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال عن الآية التي نزلت بعد انتهاء غزوة أحد وعودة المسلمين الى المدينة :
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
يقول: وبهذا النص الجازم: (وشاورهم في الأمر). . يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم - حتى ومحمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] هو الذي يتولاه .
وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي , لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه . . أما شكل الشورى , والوسيلة التي تتحقق بها , فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها . وكل شكل وكل وسيلة , تتم بها حقيقة الشورى - لا مظهرها - فهي من الإسلام .
لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ! فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم !
اختلفت الآراء . فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها , حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة . وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين . وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف . إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش , والعدو على الأبواب - وهو حدث ضخم وخلل مخيف - كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن - في ظاهرها - أسلم الخطط من الناحية العسكرية . إذ أنها كانت مخالفة "للسوابق" في الدفاع عن المدينة - كما قال عبد الله ابن أبي - وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية , فبقوا فعلا في المدينة , وأقاموا الخندق , ولم يخرجوا للقاء العدو . منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد !
ولم يكن رسول الله [
صلى الله عليه وسلم ] يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج . فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة , التي رآها , والتي يعرف مدى صدقها . وقد تأولها قتيلا من أهل بيته , وقتلى من صحابته , وتأول المدينة درعا حصينة . . وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى . .
ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات .
لأن إقرار المبدأ , وتعليم الجماعة , وتربية الأمة , أكبر من الخسائر الوقتية
.
ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة . أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف ; وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة !
ولكن الإسلام كان ينشىء أمة , ويربيها , ويعدها لقيادة البشرية . والله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة , أن تربى بالشورى ; وأن تدرب على حمل التبعة , وأن تخطىء - مهما يكن الخطأ جسيما وذا نتائج مريرة - لتعرف كيف تصحح خطأها , وكيف تحتمل تبعات رأيها وتصرفها . فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ . .والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة المقدرة للتبعة . واختصار الأخطاء والعثرات والخسائر في حياة الأمة ليس فيها شيء من الكسب لها , إذا كانت نتيجته أن تظل هذه الأمة قاصرة كالطفل تحت الوصاية . إنها في هذه الحالة تتقي خسائر مادية وتحقق مكاسب مادية . ولكنها تخسر نفسها , وتخسر وجودها , وتخسر تربيتها , وتخسر تدريبها على الحياة الواقعية . كالطفل الذي يمنع من مزاولة المشي - مثلا - لتوفير العثرات والخبطات . أو توفير الحذاء !
كان الإسلام ينشىء أمة ويربيها , ويعدها للقيادة الراشدة . فلم يكن بد أن يحقق لهذه الأمة رشدها , ويرفع عنها الوصاية في حركات حياتها العملية الواقعية , كي تدرب عليها في حياة الرسول [
صلى الله عليه وسلم ] وبإشرافه . ولو كان وجود القيادة الراشدة يمنع الشورى , ويمنع تدريب الأمة عليها تدريبا عمليا واقعيا في أخطر الشؤون - كمعركة أحد التي قد تقرر مصير الأمة المسلمة نهائيا , وهي أمة ناشئة تحيط بها العداوات والأخطار من كل جانب - ويحل للقيادة أن تستقل بالأمر وله كل هذه الخطورة - لو كان وجود القيادة الراشدة في الأمة يكفي ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشؤون , لكان وجود محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ومعه الوحي من الله سبحانه وتعالى - كافيا لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى ! - وبخاصة على ضوء النتائج المريرة التي صاحبتها في ظل الملابسات الخطيرة لنشأة الأمة المسلمة .
ولكن وجود محمد رسول الله [
صلى الله عليه وسلم ] ومعه الوحي الإلهي ووقوع تلك الأحداث , ووجود تلك الملابسات , لم يلغ هذا الحق . لأن الله - سبحانه - يعلم أن لا بد من مزاولته في أخطر الشؤون , ومهما تكن النتائج , ومهما تكن الخسائر , ومهما يكن انقسام الصف , ومهما تكن التضحيات المريرة , ومهما تكن الأخطار المحيطة . . لأن هذه كلها جزئيات لا تقوم أمام إنشاء الأمة الراشدة , المدربة بالفعل على الحياة ; المدركة لتبعات الرأي والعمل , الواعية لنتائج الرأي والعمل . .
ومن هنا جاء هذا الأمر الإلهي , في هذا الوقت بالذات:(فاعف عنهم , واستغفر لهم , وشاورهم في الأمر). .
ليقرر المبدأ في مواجهة أخطر الأخطار التي صاحبت استعماله ; وليثبت هذا القرار في حياة الأمة المسلمة أيا كانت الأخطار التي تقع في أثناء التطبيق ; وليسقط الحجة الواهية التي تثار لإبطال هذا المبدأ في حياة الأمة المسلمة , كلما نشأ عن استعماله بعض العواقب التي تبدو سيئة , ولو كان هو انقسام الصف , كما وقع في "أحد" والعدو على الأبواب . .
لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ . ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق !
على أن الصورة الحقيقية للنظام الإسلامي لا تكمل حتى نمضي مع بقية الآية ; فنرى أن الشورى لا تنتهي أبدا إلى الأرجحة والتعويق , ولا تغني كذلك عن التوكل على الله في نهاية المطاف:(فإذا عزمت فتوكل على الله . إن الله يحب المتوكلين). .
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي , واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة , فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد , انتهى دور الشورى وجاء دور التنفيذ . . التنفيذ في عزم وحسم , وفي توكل على الله , يصل الأمر بقدر الله , ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء .
وكما ألقى النبي [ ص ] درسه النبوي الرباني , وهو يعلم الأمة الشورى , ويعلمها إبداء الرأي , واحتمال تبعته بتنفيذه , في أخطر الشؤون وأكبرها . . كذلك ألقى عليها درسه الثاني في المضاء بعد الشورى , وفي التوكل على الله , وإسلام النفس لقدره - على علم بمجراه واتجاهه - فأمضى الأمر في الخروج ,ودخل بيته فلبس درعه ولأمته - وهو يعلم إلى أين هو ماض , وما الذي ينتظره وينتظر الصحابة معه من آلام وتضحيات . .
وحتى حين أتيحت فرصة أخرى بتردد المتحمسين , وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه [
صلى الله عليه وسلم ] على ما لا يريد , وتركهم الأمر له ليخرج أو يبقى . . حتى حين أتيحت هذه الفرصة لم ينتهزها ليرجع . لأنه أراد أن يعلمهم الدرس كله . درس الشورى . ثم العزم والمضي . مع التوكل على الله والاستسلام لقدره . وأن يعلمهم أن للشورى وقتها , ولا مجال بعدها للتردد والتأرجح ومعاودة تقليب الرأي من جديد . فهذا مآلة الشلل والسلبية والتأرجح الذي لا ينتهي . . إنما هو رأي وشورى . وعزم ومضاء . وتوكل على الله , يحبه الله:(إن الله يحب المتوكلين). .
والخلة التي يحبها الله ويحب أهلها هي الخلة التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمنون . بل هي التي تميز المؤمنين . . والتوكل على الله , ورد الأمر إليه في النهاية , هو خط التوازن الأخير في التصور الإسلامي وفي الحياة الإسلامية . وهو التعامل مع الحقيقة الكبيرة:حقيقة أن مرد الأمر كله لله , وأن الله فعال لما يريد . .
لقد كان هذا درسا من دروس "أحد" الكبار . هو رصيد الأمة المسلمة في أجيالها كلها , وليس رصيد جيل بعينه في زمن من الأزمان
. أهـ
وصلي اللهم وسلم وبارك على معلم الناس الخير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم