Thursday, December 13, 2007

شيخي وسيدي : الشيخ مصطفى محمود


هذا الرجل أذكره كثيرا هذه الأيام
الشيخ مصطفى محمود
من علماء الأزهر الشريف
حاصل على شهادة العالمية من الأزهر
ثم درس للحصول على الشهادة العالية ، وهي حسب قوله توازي الآن شهادة الماجستير
تعرفت عليه مع صديقي سيد وأسامة منذ عام 1982
وكنا في الصف الثاني الثانوي
كنا نذهب اليه في مسجد العلايا الكائن بسوق العصر حيث كان إمامه وخطيبه
وكنا نحضر درسه الاسبوعي ، وكذلك خطبة الجمعة
وكنا نذهب اليه قبل الخطبة بساعة وربما بأكثر من ساعة ، ونجلس معه ، نسأله في كل شيء ويجيبنا عن كل تساؤلاتنا مهما كانت سخيفة أو محرجة
أذكر أنني مرة كنت قد قرأت في كتاب إحياء علوم الدين (وكان هو الذي أرشدنا الى قراءته) كنت قد قرأت جملة تقول ان افشاء سر الربوبية كفر ، ولم أفهم معنى هذه الجملة وقتئذ -وحتى الآن طبعا - فسألته عنها في ملأ من تجار الحديد الذين هم بالكاد يصلون
فضحك بشدة وقال لي "والله انت بتلاقي حاجات غريبة في الكتب" ثم حاول أن يضيع الموضوع
ولكني برخامة شديدة كنت مصرا على معرفة الإجابة
فغضب - وكان نادرا ما يغضب - وقال لي "هو احنا خلاص عرفنا وعملنا كل حاجة وفاضل سر الربوبية ، وبعدين يا أخي لما هو افشاؤه كفر عايزني أقول لك عليه ازاي ؟" فسكت ولم أتكلم في هذا الموضوع بعد ذلك
لم يكن ينغص علينا جلوسنا معه الا "الشيخ فتحي" خادم المسجد سابقا ومقيم الشعائر حاليا
الذي كان لسبب لا نعلمه يعتبر نفسه ندا للشيخ مصطفى
وكان يسعد جدا اذا تخلف الشيخ عن خطبة الجمعة ، ويعتبر أن هذه فرصته
فيجلس في حجرة الشيخ ، ويخرج جميع كتب الشيخ من الصندوق ، ويفتحها ويبدأ في القراءة منها بصوت عال استعدادا لخطبة الجمعة
حتى اذا حان موعد الصلاة ، ارتدى الشيخ فتحي الملابس الأزهرية التي يرتديها في المناسبات فقط ، ووضع العمامة على رأسه ، ثم توجه صاعدا المنبر.
ويسلم الجميع أمرهم الى الله ، ويبدأون في الاستعداد للابتسام مالم يكن الضحك ، فالخطبة هي هي التي يلقيها منذ سنين مهما حاول أن يغير فيها ، فلا يلبث بعد بضعة دقائق أن يعود الى الكلام المحفوظ عن النفس التي تنقسم الى ثلاثة أنواع
وأذكر أنه مرة أراد أن يقلد الشيخ كشك في افتتاحه للخطبة وكان الشيخ كشك يقول من الواحد فيرد الناس الله وهكذا مع باقي الاسماء الحسنى
الا أن الشيخ فتحي صاح فينا بقوة : من الله ؟ وأسقط في يد الجميع فلم يعرف أحد ماذا يقول له
ولما أشتكى الناس للشيخ قال لهم : كنتم قولوا سبحان الله
وكان الشيخ مصطفي يعامل الشيخ فتحي كما يعامل الطفل الصغير
وكثيرا ما كان الشيخ فتحي يتطاول على الشيخ مصطفى ، وكثيرا ما كان ينالنا من هذا التطاول نصيب
المهم أنه وبعد سنوات رائعة الجمال عشناها مع هذا العالم الجليل ، أقصد الشيخ مصطفى محمود طبعا ، طلب نقله الى بلده في الصعيد ليعمل هناك مأذونا شرعيا ، بعد أن ضاقت به سبل العيش في القاهرة ، حيث لا كرامة لعالم ولا لإمام مسجد
كان الرجل متعففا عن أموال التجار وعطاياهم ، وكان كريم النفس عزيزها ، يقبل الهدية بشق الأنفس ، ولولا سنة النبي في قبول الهدية ما أظنه قبلها
وقد وفقنا الله الى هذا الشيخ العظيم في فترة عصيبة من حياتنا ، حيث كانت الجماعات الاسلامية على أشدها حتى عبر الشيخ وجدي غنيم -حفظه الله- عن هذه الفترة أنه كان اللي يصحى بدري الأول يعمل جماعة ، ولكن بفضل الله حافظ لنا هذا الشيخ الجليل على الوسطية في قلوبنا وعقولنا ، وكان يقف بشدة أمام أي رأي يجده يجنح عن هذه الوسطية التي كانت تميزه عن غيره
حتى جاء اليوم الذي سألناه فيه سؤالا مباشرا - وكنا في أولى سنوات الجامعة - عن الجماعات العاملة على الساحة وهل ينصحنا بالانضمام الى أي منها ؟
وفاجأه السؤال ففكر قليلا ثم أخذ يحدثنا عن دور كل مسلم في الحياة ، ثم سرح بخاطره الى شبابه وقال لنا : زمان واحنا في الأزهر كان معظم الطلبة من الاخوان المسلمين ، لغاية ما جاء عبد الناصر وبدأ في القبض على الاخوان ، وكان مهتما أكثر بالتنكيل بالاخوان من الأزهريين . ثم تغير وجهه وهو يتذكر زميله في السكن الذي كانت بطنه مفتوحة من العملية الجراحية وجاء الزبانية ليقبضوا عليه ، ولم يرحموا ضعفه ومرضه وأخذوه وبعد أيام علموا بوفاته . ثم يضيف الشيخ مصطفى : من يومها قررت أكون في حالي وأبعد عن كل الجماعات
فسألته مداعبا ومحاولا أن أخرجه من ذكرياته الأليمة : ولكن حضرتك ما اتقبضش عليك ؟
فرد في ضيق : مافيش حد من الأزهر ما اتقبضش عليه في الأيام دي ، بس أنا استعبطت فخرجوني بسرعة
فقال له سيد : يعني جماعة الاخوان ناس كويسة ؟
فرد الشيخ : والله هم ناس أفاضل وبيدعو الناس الى الأخلاق الحسنة وتاريخهم معروف ، بس أنا شايف انكم تكملوا دراستكم الأول وبعدين لما تتخرجوا ابقوا فكروا في المواضيع دي . وانتهت المناقشة عند هذا الحد
ولكن الاخوان كانوا في قلب الشيخ مصطفى ، وهو امام المسجد الملاصق لقسم بولاق أبو العلا والذي يصلي معه الجمعة مأمور القسم والمعاون وجميع رجال الشرطة في القسم ، ومع ذلك
عندما ذهبنا اليه يوم الجمعة 23 مايو عام 1986 وكنا في شهر منتصف شهر رمضان وأخبرناه بوفاة الأستاذ عمر التلمساني عليه رحمة الله حزن حزنا شديدا ، ثم المح في خطبته الى الحدث ثم فوجئنا به بعد انتهاء صلاة الجمعة يقف ويمسك الميكروفون ويقول : سنصلي صلاة الغائب على الأستاذ عمر التلمساني ، وهو كما تعرفون المرشد العام للاخوان المسلمين
ووسط ذهول الحاضرين ومنهم ضباط القسم صلى الشيخ مصطفى صلاة الغائب ، وصلى معه السادة الضباط كلهم

وقد علمت منذ أيام من الشيخ فتحي أن الشيخ مصطفى محمود قد توفاه الله
فرجاء لكل من قرأ هذه التدوينة أن يقرأ الفاتحة للشيخ الجليل وأن يدعو له بالخير فقد كان (رحمه الله) يستحق هذا الخير



4 comments:

Anonymous said...

رحم الله الشيخ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وثبتنا على طريق الإيمان بعده
لكن يبدو أنك من صغرك وانت مشاغب!!
مش هتبطل شغب بقى؟؟؟
وفقنا الله وإياك الى ما يحب ويرضى

Anonymous said...

والله فيك الخير يا حسام وربنا يكرمك على هذا الوفاء وهذه الذاكرة القوية ما شاء الله وربنا يرحم هذا الشيخ الطيب ويجزه عنا خيرا ففعلا استفدنا كثيرا منه
وربنا يجمعنا به في مستقر رحمته كما جمعنا به في هذه الدنيا على طاعته
محبك في الله سيد

ابو نظارة said...

أخي أبو عبد الرحمن
باحاول أبطل
لا دا أنا كنت مشاغب أكتر من الآن بكتير
يمكن دلوقت بعد الأربعين بطلت شوية
يمكن شيخوخة مبكرة
نورت المدونة
جزاك الله خيرا
ما تنساش تدعيلي في الأيام الفاضلة دي

ابو نظارة said...

أخي الحبيب سيد
انت واحشني جدا
ومش عارف أشوفك
يا ريت لو نعرف نتقابل قريب
حتى نطمئن على بعض
ربنا يكرمك وييسر لك أمرك كله
ولا نسني بدعائك