Thursday, September 11, 2008

لا إله إلا الله منهج حياة

للشهيد / سيد قطب من كتابه : معالم في الطريق

العبودية لله وحده هي شطر الركن الأول في العقيدة الإسلامية المتمثل في شهادة : أن لا إله إلا الله . والتلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كيفية هذه العبودية - هو شطرها الثاني ، المتمثل في شهادة أن محمدا رسول الله .

والقلب المؤمن المسلم هو الذي تتمثل فيه هذه العبودية بشطريها ، لأن كل ما بعدها من مقومات الإيمان ، وأركان الإسلام ، إنما هو مقتضى لها . فالإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وكذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ثم الحدود والتعازير والحل والحرمة والمعاملات والتشريعات والتوجيهات الإسلامية . . . إنما تقوم كلها على قاعدة العبودية لله وحده ، كما أن المرجع فيها كلها هو ما بلغه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه .

والمجتمع المسلم هو الذي تتمثل فيه تلك القاعدة ومقتضايتها جميعا لأنه بغير تمثل تلك القاعدة ومقتضايتها فيه لا يكون مسلما .

ومن ثم تصبح شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله قاعدة لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها ، فلا تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم هذه القاعدة ، كما أنها لا تكون إسلامية إذا قامت على غير هذه القاعدة ، أو قامت على قاعدة أخرى معها ، أو عدة قواعد أجنبية عنها :

{ إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم } [ يوسف : 40]

{ ومن يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء : 80 ]

هذا التقرير الموجز المطلق الحاسم يفيدنا في تحديد كلمة الفصل في قضايا أساسية في حقيقة هذا الدين . وفي حركته الواقعية كذلك :

إنه يفيدنا أولا في تحديد طبيعة المجتمع المسلم .

ويفيدنا ثانيا في تحديد منهج المجتمع المسلم .

ويفيدنا ثالثا في تحديد منهج الإسلام في مواجهة المجتمعات الجاهلية .

ويفيدنا رابعا في تحديد منهج الإسلام في مواجهة واقع الحياة البشرية .

وهي قضايا أساسية بالغة الخطورة في منهج الحركة الإسلامية قديما وحديثا .

إن السمة الأولى المميزة لطبيعة المجتمع المسلم هي أن هذا المجتمع يقوم على قاعدة العبودية لله وحده في أمره كله . . هذه العبودية التي تمثلها وتكيفها شهادة لا إله إلا الله . وأن محمدا رسول الله .

وتتمثل هذه العبودية في التصور الاعتقادي ، كما تتمثل في الشعائر التعبدية . كما تتمثل في الشرائع القانونية سواء .

فليس عبدا لله من لا يعتقد بوحدانية الله سبحانه :

{ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون ؟ } .. [ النحل : 51-52]

ليس عبدا لله وحده من يتقدم بالشعائر التعبدية لأحد غير الله - معه أو من دونه - :

{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } [ الأنعام : 162 - 163]

ليس عبدا لله وحده من يتلقى الشرائع القانونية من أحد سوى الله ، عن الطريق الذي بلغنا الله به ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم :

{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [ الشورى : 21]
{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [ الحشر : 7]

هذا هو المجتمع المسلم . المجتمع الذي تتمثل فيه العبودية لله وحده في معتقدات أفراده وتصوراتهم ، كما تتمثل في شعائرهم وعباداتهم ، كما تتمثل في نظامهم الجماعي وتشريعاتهم . . وأيما جانب من هذه الجوانب تخلف عن الوجود فقد تخلف الإسلام فقد تخلف الإسلام نفسه عن الوجود ، لتخلف ركنه الأول ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

ولقد قلنا إن العبودية لله تتمثل في التصور الاعتقادي . . فيحسن أن نقول ما هو التصور الاعتقادي الإسلامي . . إنه التصور الذي ينشأ في الإدراك البشري من تلقيه لحقائق العقيدة من مصدرها الرباني . والذي يتكيف به الإنسان في إدراكه لحقيقة ربه . ولحقيقة الكون الذي يعيش فيه - غيبه وشهوده - ولحقيقة الحياة التي ينتسب إليها - غيبها وشهودها - ولحقيقة نفسه . . أي لحقيقة الإنسان ذاته . . ثم يكيف على أساسه تعامله مع هذه الحقائق جميعا . تعامله مع ربه تعاملا تتمثل فيه عبوديته لله وحده ، وتعامله مع الكون ونواميسه ومع الأحياء وعوالمها ، ومع أفراد النوع البشري وتشكيلاته تعاملا يستمد أصوله من دين الله - كما بلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم - تحقيقا لعبوديته لله وحده في هذا التعامل . . وهو بهذه الصورة يشمل نشاط الحياة كله .

فإذا تقرر أن هذا هو المجتمع المسلم ، فكيف ينشأ هذا المجتمع ؟ ما منهج هذه النشأة ؟

إن هذا المجتمع لا يقوم حتى تنشا جماعة من الناس تقرر أن عبوديتها الكاملة لله وحده ، وأنها لا تدين بالعبودية لغير الله . . لا تدين بالعبودية لغير الله في الاعتقاد والتصور ، ولا تدين لغير الله في العبادات والشعائر . . ولا تدين بالعبودية لغير الله في النظام والشرائع . . ثم تأخذ بالفعل في تنظيم حياتها كلها على أساس هذه العبودية الخالصة . . وتنقي شعائرها من التوجه بها لأحد غير الله - معه أو دونه - وتنقي شرائعها من التلقي عن أحد غير الله - معه أو من دونه - .

عندئذ - وعندئذ فقط - تكون هذه الجماعة مسلمة ، ويكون هذا المجتمع الذي أقامته مسلما كذلك . . فأما قبل أن يقرر ناس من الناس إخلاص عبوديتهم لله - على النحو الذي تقدم - فإنهم لا يكونون مسلمين . . وأما قبل أن ينظموا حياتهم على هذا الأساس فلا يكون مجتمعهم مسلما . . ذلك أن القاعدة الأولى التي يقوم عليها الإسلام ، والتي يقوم عليها المجتمع المسلم - وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - لم تقم بشطريها . .

وإذن فإنه قبل التفكير في إقامة نظام مجتمع إسلامي ، وإقامة مجتمع مسلم على أساس هذا النظام . . ينبغي أن يتجه الاهتمام أولا إلى تخليص ضمائر الأفراد من العبودية لغير الله - في أي صورة من صورها التي أسلفنا - وأن يجتمع الأفراد الذين تخلص ضمائرهم من العبودية لغير الله في جماعة مسلمة . . وهذه الجماعة التي خلصت ضمائر أفرادها من العبودية لغير الله . اعتقادا وعبادة وشريعة . هي التي ينشأ منها المجتمع المسلم ، وينظم إليها من يريد أن يعيش في هذا المجتمع بعقيدته وعبادته وشريعته التي تتمثل فيها العبودية لله وحده . . أو بتعبير آخر تتمثل فيها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

وهكذا كانت نشأة الجماعة المسلمة الأولى التي أقامت المجتمع المسلم الأول . . وهكذا تكون نشأة كل جماعة مسلمة ، وهكذا يقوم كل مجتمع مسلم .

إن المجتمع المسلم إنما ينشأ من انتقال أفراد ومجموعات من الناس من العبودية لغير الله - معه ـو من دونه - إلى العبودية لله وحده بلا شريك له ، ثم من تقرير هذه المجموعات أنى تقيم نظام حياتها على أساس هذه العبودية . . وعندئذ يتم ميلاد جديد لمجتمع جديد ، مشتق من المجتمع الجاهلي القديم ، ومواجه له بعقيدة جديدة ، ونظام للحياة جديد ، يقوم على أساس هذه العقيدة ، وتتمثل فيه قاعدة الإسلام الأولى بشطريه . . شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . .

وقد ينضم المجتمع الجاهلي القديم بكامله إلى المجتمع الإسلامي الجديد وقد لا ينضم ، كما أنه قد يهادن المجتمع الإسلامي او يحاربه . وإن كانت السنة قد جرت بأن يشن المجتمع الجاهلي حربا لا هوادة فيها . سواء على طلائع هذا المجتمع في مرحلة نشوئه - وهو أفراد أو مجموعات - أو على هذا المجتمع نفسه بعد قيامه فعلا - وهو ما حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية منذ نوح عليه السلام إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، بغير استثناء .

وطبيعي أن المجتمع المسلم الجديد لا ينشأ ، ولا يتقرر وجوده إلا إذا بلغ درجة من القوة يواجه بها ضغط المجتمع الجاهلي القديم ، قوة الاعتقاد والتصور ، وقوة الخلق والبناء النفسي ، وقوة التنظيم والبناء الجماعي ، وسائر أنواع القوة التي يواجه بها ضغط المجتمع الجاهلي ويتغلب عليه ، أو على الأقل يصمد له !

9 comments:

حسن حنفى said...

الحمد لله اني اطمنت علي حضرتك

بجد بوست جميل

د.توكل مسعود said...

ثم تأخذ بالفعل في تنظيم حياتها كلها على أساس هذه العبودية الخالصة . .



هذا هو الشرط ......
تقبل تحياتى

أختكم فى الله said...

ما شاء الله مدونة رائعة وموضوع مهم ومفيد جدا جدا

جزاك الله خيرا

وكل سنة وحضرتك طيب

أ / أحمد عبد المنعم said...

بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلا الله
منهج حياة
ورحلة كفاح
ودروس ثمنها الدماء
دماء الرسول المباركة
لتبرز هذا الدين

abonazzara said...

أخي حسن
دائما ما يسعدني مرورك وتعليقك
جزاكم الله خيرا
تقبل الله منا ومنكم
تقبل تحياتي واحترامي

abonazzara said...

أخي وأستاذي د.توكل
أعتذر بشدة عن تأخري في الرد
ولكني أعلم أنكم لن تغضبوا من أخيكم وستلتمسون له عذرا
وهذا عهدي دائما بكم
مع اني أتابع مدونتكم حتى تدوينة
في الحفظ والصون
بارك الله لكم في جهدكم وأوقاتكم
ولا تنسني بصالح دعائك
ولسيادتكم خالص التحية والاحترام

abonazzara said...

أخي أحمد
جعلنا الله وإياكم ممن يقيمون لا اله الا الله على الأرض وفي أنفسنا
وأسأل الله أن يستعملنا في نشرها
بارك الله فيكم
ولسيادتكم خالص التحية والاحترام

أبو مسلم السفاح said...

شكرا اخى الحبيب و على الغريب ان البعض يفهم الاسلام بشكل خاطئ ثم يهاجمه على اساس هذا الفهم المعيب

اضافة جيدة د.توكل

صريح أوي said...

كل عام وانتم إلي الله أقرب وعلي طاعته أدوم ومن جنته أقرب
نسأل الله أن تكونوا في كامل الصحة والعافية
تقبل الله منا ومنكم
لا شك أن للشهيد الاستاذ رحمه الله
ذكريات غالية مع سيرته وكتب الحافلة
رحمه الله وأثابك خيرا كثيرا