Friday, June 28, 2013

استيقظ المستشار رأفت السيد مبكرا على جرس الموبايل
كان المتحدث هذه المرة هو عادل أخو زوجته يستنجد به أن يتصل بالشرطة لأن البلطجية قد هجموا على صيدليته أثناء مبيته بها وحطموها وسرقوا الخزينة.
طمأنه المستشار رأفت أنه سيفعل اللازم ويوصي الشرطة في القسم الذي تتبع له الصيدلية أن يسارعوا بالقبض على البلطجية ورد المسروقات اليه.
ثم ردد وكأنه يكلم نفسه: البلد خربت .. منك لله يامرسي
دخل الحمام ثم ارتدى ملابسه وتأنق فهو وكيل نيابة مرموق والكل يعمل له الف حساب
خرج من باب شقته ثم أغلقه خلفه بهدوء حتى لا يوقظ زوجته ثم تذكر أنها تتناول قرص مهدئ لتنام
لقد قاست زوجته معه من هذا الشاب النذل المجرم "جمال" قريب ضابط أمن الدولة الذي كان يتحرش بها
ولم يستطع هو بكل هيلمانه أن يدفع أذاه عنها، بل على العكس كاد هذا النذل أن يفقده وظيفته.
هز رأسه ليدفع هذه الذكريات السيئة بعيدا .. فقد كان هذا قبل الثورة التي أطاحت بقريبه الضابط الطاغية من منصبه.
ردد بتلقائية: منك لله يا مرسي
وصل الى مكتبه ، استقبلته تشريفة السعاة والفراشين ، ثم أخبره أحدهم أن يتصل بالقاضي "صبري بيه" لانه بيسأل عنه من الصبح في مكتبه.
تعجب رأفت فليس هناك من علاقة تربطه بـ "صبري بيه" إلا اتفاقه معه في مواقفه ضد "مرسي"
اتصل على عجل بـ "صبري بيه" الذي رد بسرعة
صبري: الو
رأفت: صباح الخير يا سعادة المستشار
صبري: مين معايا؟ رأفت بيه؟
رأفت: أيوه سعادتك .. أأمرني؟
صبري: ربنا يخليك ..لا أمر ولا حاجة .. الموضوع بسيط .. كنت عايز منك خدمة
رأفت: ياخبر يا افندم .. باقول لسعادتك أأمرني
صبري: النهاردة حيتعرض عليك واحد اتقبض عليه بتهم البلطجة والاغتصاب وقيادة تشكيل عصابي قام بحرق منشآت والكلام اللي انت عارفه بيحصل اليومين دول بسبب سي مرسي
فرد بسرعة وكأنها تعويذة: منه لله
ثم أردف مستدركا: وايه المطلوب سعادتك؟
تردد صبري قبل أن يجيب: بص يا رأفت الراجل ده من أهم رجالتنا ولازم يخرج من سرايا النيابة
رأفت: بس ازاي يا افندم .. دي الأدلة وشهادات الشهود كلها ضده، وبعدين حادثة الاغتصاب دي البلد كلها اتكلمت عنها والكل عارف انه هو اللي عمل كده
غضب صبري وصاح: وايه كمان يا رأفت بيه؟ ما أنا عارف يا أخي كل الكلام ده
ثم تمالك أعصابه وقال: باقول لك من رجالتنا .. دي حرب يا رأفت .. وفي الحروب لازم يكون فيه ضحايا ومنتصرين .. ومتهيألي انك معانا وعايز تبقى من المنتصرين ولا ايه؟
أحس رأفت بنبرة التهديد في كلام صبري وتذكر الحروب التي يشنها صبري بيه على أعدائه حتى يشوههم ويقضي عليهم تماما
ابتلع رأفت لعابه بصوت مسموع ثم قال: طبعا أنا معاكم بس سعادتك ..
قاطعه صبري بسرعة: بس ايه؟ ازاي بتقول معانا وفي نفس الوقت عايز تضيع مننا واحد من رجالتنا ..
شوف واحد زي المستشار مصطفى بيه اللي طلع 84 واحد متلبسين بالقتل وحيازة السلاح وفيهم مسجلين خطر وما قالش الكلام الغريب اللي بتقوله ده
وعبد السلام بيه اللي خرج أكتر من 200 بلطجي كانوا بيضربوا مولوتوف على الشرطة واتقبض عليهم تاني وخرجهم تاني
وغيرهم وغيرهم .. يعني مش عجبة يا رأفت بيه .. وبعدين هو حد حيراجع وراك ولا حيكلمك؟
رأفت: حاضر سعادتك يا صبري بيه
صبري: شكرا لك يا رأفت بيه وتأكد إن احنا مش بننسى رجالتنا أبدا .. مع السلامة
أغلق رأفت السماعة وبدا أنه اقتنع بالمهمة المقدسة التي سيقدم عليها بإطلاق سراح البلطجي
وابتسم وقد تذكر "الزحف المقدس" وقال لنفسه: مالهوش حل صبري بيه ده
سمع طرقا على باب مكتبه فلما اذن للطارق بالدخول ،دخل الضابط ليعلن له عن وصول المتهم الى سرايا النيابة
قال لهم أن يدخلوه ،ثم استدعى الكاتب وجلسا في انتظار المتهم
وبعد قليل طرق الباب وفتحه الشرطي الواقف بالباب ودخل الضباط يسحبون المتهم مقيدا بالأغلال ثم فكوا قيوده ودخل معه ثلاثة من كبار المحامين للدفاع عنه
اهتم رأفت بمراجعة كارنيهات وبطاقات المحامين وإعطائها للكاتب ليثبت حضورهم ثم إملاء الكاتب لديباجة المقدمة وهو يستحضر الأسئلة الفارغة التي سيلقيها على المتهم تمهيدا لإطلاق سراحه
ثم تذكر المتهم فألقى عليه نظرة عابرة سرعان ما تجمدت نظراته عليه وقد أصابته صاعقة المفاجأة
رأى أمامه سنين الشقاء والتهديد والبهدلة والعجز .. رأى زوجته التي فقدت أعصابها وصحتها وكادت تفقد شرفها
رأى نظرات زوجته الصامتة له وكأنها تقول: لم تستطع حمايتي يا رأفت
لقد قرأ اسم "جمال النهري" ولكنه لم يربط بين الاسم وبين البلطجي الذي قلب حياته رأسا على عقب
ارتسمت ابتسامة استهزاء واحتقار على وجه جمال ثم رفع كفه نحو رأسه بتكاسل بالتحية العسكرية وهو يقول: ازاي سعادتك يا رأفت باشا .. وازاي المدام
لم يعد يرى أمامه إلا عيني زوجته الكسيرتين
سعادة المستشار .. سعادة المستشار
كان أحد المحامين يناديه ثم مال عليه هامسا: صبري باشا بيسلم على سعادتك
انتبه رأفت بسرعة لنفسه وقام بسؤال المتهم عدة أسئلة شكلية ثم أمر بإخلاء سبيله من سرايا النيابة لعدم كفاية الأدلة
ولم ينس "جمال" وهو يخرج من الغرفة أن يقول له: متشكرين ياباشا وإن شاء الله أزور سعادتك قريب 
بس بعد ما تخلص المشاغل بتاعت اليومين دول ونروق .. أصلكوا واحشينني جدا والله
ثم أطلق ضحكة منفرة وخرج
غمغم قائلا: لقد أطلقت للتو وحشا قاتلا مغتصبا وربما أجده بعد كام يوم عندي في البيت
تذكر عادل أخو زوجته وهجوم البلطجية عليه
اعتدل في جلسته وقرر أنه لن يتصل بالشرطة ليوصيهم به .. فلا فائدة من ذلك .. فهم مثله تماما
أحس بالاختناق .. قرر أن يغادر مكتبه فورا .. لا يدري أين يذهب ولا كيف سيواجه زوجته وينظر في عينيها الكسيرتين
دخل الى سيارته .. أحس أن قلبه يحترق .. فتح لوحة السيارة وأخرج مسدسه المرخص .. فكر أن يقتل نفسه ليخلص من تلك العينين الكسيرتين اللتين تطاردانه
هز رأسه ليطرد هذا الخاطر وقرر أن يذهب الى ناديه ليقابل أصدقائه ولينسى كل شيء
أدار السيارة وهو يردد: منك لله يا مرسي

No comments: